فجر جديد للإسلام السياسي؟

شهدت منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على مدار السنوات الخمس الأخيرة صعوداً في معدلات التدين، لا سيما في أوساط الشباب. ما تداعيات هذا الأمر على المنطقة؟ هل تواكب هذا الإقبال المتزايد على التدين الشخصي تغيرات في الآراء حول دور الدين في السياسة؟ هل يعني هذا التغيّر بعثاً جديداً للإسلام السياسي في المنطقة؟

يظهر بقوة من نتائج استطلاعات الرأي الممثلة لمستوى الدول في الدورة السابعة للباروميتر العربي أن الإسلام السياسي في طريقه للعودة. في أغلب الدول التي شملها الاستطلاع، يعرب المواطنون من الصغار والكبار سناً على السواء عن تفضيل واضح لزيادة دور الدين في السياسة. هذه هي أول مرة تتضح فيها زيادة دعم الإسلام السياسي بقدر يُعتد به منذ انطلاق الانتفاضات العربية في 2011. رغم أن هذه التوجهات في الآراء قد لا تستمر، فإنها – إذا استمرت – يمكن أن تعيد للإسلام السياسي أهميته كقوة سياسية كبرى في المنطقة.

رغم نجاح الحركة الإسلامية في صناديق الاقتراع بعد 2011، لم ينل الإسلام السياسي دعماً كبيراً عبر المنطقة. في الفترة 2012-2014 لم تقل الأغلبية في أي دولة شملها الاستطلاع بضرورة أن يكون لرجال الدين سلطة على القرارات الحكومية. في جوهره، يحاول هذا السؤال فهم إذا كان من رأي الناس أن يلعب الدين دوراً أكبر في السياسة، وهي الأيديولوجية الأساسية للإسلام السياسي. يُلاحظ أنه في السودان فقط (47 بالمئة) وكذلك اليمن (48 بالمئة) قال أكثر من 4 من كل 10 مواطنين بضرورة وجود هذا الدور للقيادات الدينية.

في الأغلب، لم يتغير هذا التصور حتى نهاية العقد. ففي الفترة 2018-2019، فقط في السودان قال النصف على الأقل بأنهم يدعمون وجود دور للقيادات الدينية في القرارات الحكومية. مقارنة باستطلاع 2012-2014، لم يتغير الدعم بأكثر من خمس نقاط مئوية في ست من تسع دول شملها الاستطلاع. الاستثناء كان المغرب، حيث تراجع الدعم لهذه المقولة تسع نقاط مئوية، وفي لبنان والعراق حيث زاد بواقع 11 و10 نقاط مئوية، على التوالي.

في الوقت الراهن، تلعب الأحزاب الإسلامية دوراً أصغر بكثير في سياسة المنطقة مقارنة بالوضع في السنوات التالية للانتفاضات العربية. الإخوان المسلمون جماعة محظورة حالياً في مصر، وتتعرض النهضة لحملة قمعية في تونس، بينما خسر حزب العدالة والتنمية الانتخابات البرلمانية في المغرب. مع استثناء ملحوظ في لبنان وغزة، لم تعد التنظيمات الإسلامية تلعب دوراً كبيراً في السلطة عبر المنطقة.

هل تأتي هذه العودة للمعارضة بفرص زيادة الإقبال على الإسلام السياسي؟ يظهر من بيانات الباروميتر العربي أن هذا احتمال قائم بقوة. منذ 2018-2019 زاد الدعم لأيديولوجية الإسلام السياسي. في 2021-2022 أيد النصف أو أكثر في خمس من عشر دول شملها الاستطلاع أن يكون لرجال الدين نفوذاً على القرارات الحكومية، وبلغت نسبة تأييد المقولة 77 بالمئة في موريتانيا و62 بالمئة في السودان و57 بالمئة في ليبيا و54 بالمئة في العراق. فقط في تونس (23 بالمئة) ولبنان (22 بالمئة) ومصر (20 بالمئة)، قال أقل من 4 من كل 10 أشخاص بضرورة أن يلعب رجال الدين دوراً في القرارات الحكومية.

يُلاحظ أن هذه النسب تمثل زيادة عن النسب المرصودة في 2018-2019 في ست من تسع دول شملها الاستطلاعين. تبلغ الزيادة مداها في ليبيا ( 27نقطة مئوية) ثم الأردن (15 نقطة) والمغرب (14 نقطة) والسودان (10 نقاط)، بينما طرأت زيادات أصغر في كل من فلسطين (7 نقاط) والعراق (6 نقاط). في الوقت نفسه، لم يتراجع دعم الدور السياسي للقيادات الدينية في أي دولة. في الدول الثلاث الباقية – لبنان ومصر وتونس – يقع التراجع في نسب الإقبال على المقولة ضمن هامش خطأ الاستطلاع، ما يعني أنه لم يحدث تغير فعلي في الإقبال على هذا الرأي. باختصار، لم يتراجع دعم دور الدين في السياسة عبر منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فعلياً.

بينما الشباب بين 18 و29 عاماً هم من يقودون العودة إلى الدين عبر المنطقة، فإن صعود الدعم للدين في السياسة منتشر أكثر عبر المجتمع. ففي أغلب الدول، تتغير آراء الشرائح العمرية الأكبر والأصغر في هذا الصدد بشكل متناسق. الشباب هم الأكثر إقبالاً على دعم دور أكبر للدين في السياسة في ست دول من تسع شملها آخر استطلاعين. الشباب في ليبيا هم الأكثر إقبالاً على هذا الرأي (22 نقطة) ثم المغرب (20 نقطة) والأردن (19 نقطة) والسودان (10 نقاط) وفلسطين (8 نقاط) ومصر (6 نقاط). في تونس والعراق ولبنان، يقع التغير في الآراء ضمن هامش الخطأ، ما يعني عدم حدوث تغير فعلي.

بالنسبة لمن يبلغون من العمر 30 عاماً فأكبر، كانت النتائج مماثلة نسبياً. هناك زيادة فعلية في دعم دور رجال الدين في السياسة في ليبيا (32+ نقطة مئوية) والمغرب (24+ نقطة) والأردن (14+ نقطة) والعراق (11+ نقطة) والسودان (9+ نقاط) وفلسطين (7 نقاط). وفي لبنان كانت الزيادة على حدود هامش الخطأ (3+ نقاط) وفي تونس لم يطرأ اختلاف، بينما حدث تراجع طفيف في مصر ضمن هامش الخطأ (3- نقاط).

في المجمل، يظهر من هذه النتائج أن دعم الإسلام السياسي آخذ في الصعود. على أن هذا لا يعني بالضرورة أن الإسلام السياسي كأيديولوجية سوف ينمو ويتحول إلى حركة شعبية كما كان الوضع قبل الانتفاضات العربية. كما هو الحال بالنسبة للتزايد المرصود في مستويات التدين خلال السنوات الخمس الأخيرة، ربما ينعكس هذا التوجه في المستقبل. لكن خلال السنوات الأخيرة بشكل عام اكتسبت فكرة دور الدين في السياسة قبولاً أكبر في عقول وقلوب الناس عبر المنطقة.