تحمل الوطأة العظمى: أثر فيروس كورونا على النساء في المسكن والمعمل في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

لم تؤثر جائحة كوفيد-19 على الجميع بشكل متساو. ففي كل منطقة من العالم ظهرت تقارير عن التفاوتات الجندرية في حصيلة أضرار الفيروس. هذا مثار قلق قائم في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بصفة خاصة، حيث ظلت حقوق النساء وأدوارهن في المجال العام مقتصرة بسبب التقاليد الاجتماعية والمعايير القانونية القائمة.

نظراً لوضع النساء في المنطقة في مرحلة ما قبل الفيروس، فمن غير المدهش ربما أن النساء كُن قلقات أكثر إزاء جائحة كوفيد-19 مقارنة بالرجال، على امتداد المنطقة، أثناء إجراء الدورة السادسة من استطلاع الباروميتر العربي. يُلاحظ بصفة خاصة في الجزائر ولبنان أن التوجهات الخاصة بالنساء وتلك الخاصة بالرجال تفاوتت كثيراً في الاستطلاع الأخير، فيما يتعلق بالجائحة، في حين تغيرت التوجهات في الدول الأخرى المشمولة بالاستطلاع بشكل موازي تقريباً. فضلاً عن الآثار الصحية المباشرة للجائحة على العائلات، فقد أثر كوفيد-19 على أدوار ومسؤوليات النساء في المنزل وفي مكان العمل.

النساء في المنزل

في خمسة من الدول السبع المشمولة بالاستطلاع، تبين أن نصف الرجال والنساء على الأقل يؤيدون أو يؤيدون بشدة مقولة “تقع المسؤولية الرئيسية للعناية بشؤون المنزل ورعاية الأطفال على المرأة “. وفي ليبيا ولبنان، كانت 1 من كل 3 نساء توافق أو توافق بشدة على هذه المقولة. لبنان هو البلد الوحيد المشمول بالاستطلاع الذي أيد فيه أقل من نصف الرجال هذه المقولة أو أيدوها بشدة (35 بالمئة).

رغم أن الرجال في أغلب الدول وافقوا على هذه المقولة أو وافقوا عليها بشدة، فإن الاختلافات الجندرية في الرأي حول هذه المقولة لم تكن كبيرة بصفة خاصة إلا في ليبيا. في ليبيا كان الفارق بين الرجال والنساء 40 نقطة مئوية فيما يخص تأييد القول بأن المنزل والأطفال مسؤولية المرأة الأساسية، إذ وافق على المقولة 71 بالمئة من الرجال (أو وافقوا بشدة)، في حين بلغت النسبة 31 بالمئة فقط في أوساط النساء.

وفي بعض الدول، رأينا تباينات كبيرة بحسب السن، فيما بين النساء في الفئة العمرية 18-29 عاما، والنساء فوق 30 عاما، في ما يخص مسؤولية المرأة الأساسية. في تونس والمغرب وليبيا، كان هناك على الأقل تباين بفارق 10 نقاط مئوية بين نسبة النساء في شريحة 18-29 عاما والنساء في سن 30 عاما فأكبر، فيما يخص دور النساء الأساسية في تحمل مسؤولية البيت والأطفال. هناك فجوة أصغر بين الأجيال الشابة والأجيال الأكبر في لبنان (7 نقاط) والأردن (6 نقاط) والعراق (4 نقاط). الجزائر هو البلد الوحيد الذي كانت النساء في الشريحة العمرية 18-29 فيه أكثر إقبالاً على تقبل فكرة أن مسؤولية النساء الأساسية هي المنزل والأطفال، مقارنة بالنساء في سن 30 فأكبر.

الواقع أن النساء يواجهن توقعات أكبر بإدارة الحياة المنزلية مقارنة بنظرائهن من الرجال، والحظر الحكومي يزيد من المسؤوليات المنزلية. رغم التحديات المنزلية التي تواجه النساء دون الرجال في أثناء الجائحة، ففي شتى أنحاء المنطقة تبين أن النساء أكثر إقبالاً من الرجال على القول بأن الوحدة الأسرية قد زادت أثناء الجائحة. من دلائل ذلك تراجع نسبة من يبلغون بشجارات لفظية بين أفراد الأسرة أثناء الجائحة. وفي شتى أنحاء المنطقة، أبلغت نسب مماثلة من الرجال والنساء بزيادة في المشاجرات اللفظية، وتراوحت هذه النسبة بين 20 و31 بالمئة. هناك باعث قلق أخير يخص المرأة في البيت أثناء كوفيد-19، وهو التهديد بالعنف الأسري. فالإغلاق والحظر على مستوى الدولة يضطر النساء إلى قضاء وقت أطول مع من يضطهدونهن.

رغم أن أغلب النساء (والرجال) أبلغوا بأن أسئلة التغير في العنف البدني الأسري لا تنطبق على حالاتهم الشخصية، فإن الربع على الأقل من النساء في كل دولة مشمولة بالاستطلاع أفادت بزيادة العنف البدني القائم على النوع في المجتمع أثناء الجائحة، في أول استطلاع من الدورة السادسة للباروميتر العربي. قرابة نصف النساء أفدن بزيادة المعدلات في المغرب (47 بالمئة) والجزائر (47 بالمئة) بالإضافة إلى أكثر من الثلثين في تونس (69 بالمئة). من المطمئن أن في الاستطلاع الأخير ضمن الدورة السادسة، تراجعت نسبة النساء اللائي أبلغن بزيادة النسبة في هذه الدول الثلاث (المغرب: 25 بالمئة، الجزائر: 24 بالمئة، تونس: 62 بالمئة). وللأسف، فإن الدول التي أفادت بها أقل من نصف النساء بزيادة في العنف الجندري، إما بقيت النسبة فيها مستقرة نسبياً في الاستطلاع الأخير (ليبيا: من 26 بالمئة إلى 29 بالمئة) أو زادت  بشكل ملحوظ (الأردن: من 29 بالمئة إلى 55 بالمئة، لبنان: من 23 بالمئة إلى 43 بالمئة).

النساء في مكان العمل

مسحت الضائقة الاقتصادية التي تسببت فيها الجائحة آثار العديد من المكتسبات التي أحرزتها النساء خلال السنوات الأخيرة. مع تدني نسبة مشاركة النساء في القوى العاملة من الأصل، فإن الإغلاق والحظر على مستوى الدولة في سائر أنحاء المنطقة كان مضراً بالنساء بصورة خاصة في مكان العمل. من ثم، من المهم التعرف على المعوقات التي تعترض دخول النساء إلى مجال العمل والبدء في إعداد سياسات لتخفيف وطأة هذه العراقيل.

تعتبر النساء أن المشكلات الهيكلية ملحة وضاغطة أكثر بصفتها معوقات فيما يخص العمل، مقارنة بالمشكلات الاجتماعية. بالأساس، عدم توفر مرافق رعاية الأطفال وعدم توفر وسائل المواصلات، كانت العوامل التي احتشدت ورائها أكثر المشاركات في استطلاع الباروميتر العربي بصفتها هي الأسباب المانعة لعمل النساء. كانت نسبة النساء اللاتي قلن إن عدم توفر خيارات رعاية الأطفال مثلت عائقاً لدرجة متوسطة أو كبيرة تتراوح من 67 بالمئة في ليبيا إلى 81 بالمئة في الأردن. بالمثل، فإن نسبة النساء اللاتي قلن إن عدم توفر المواصلات مثل عائقاً اعترض العمل بدرجة متوسطة إلى كبيرة، تتراوح بين 44 بالمئة من النساء في لبنان و78 بالمئة من النساء في تونس. هنا يعد لبنان حالة استثنائية مقارنة بباقي الدول، حيث كانت العراق ثاني أقل نسبة من النساء بواقع 60 بالمئة. وأكثر من نصف النساء في كل دولة وافقت على أن تدني الرواتب يحول دون دخولهن سوق العمل.

عدم توفر رعاية الأطفال وعدم توفر المواصلات وتدني الرواتب: هذه جميعاً مشكلات يمكن أن تطور لها الحكومات سياسات تواجهها من خلالها. المعوقات المتصلة بالمعايير الاجتماعية القائمة تعد أكثر صعوبة في التعامل معها. الخبر الجيد هو أن رغم  موافقة ما بين 30 و60 بالمئة من النساء في أغلب دول المنطقة على عبارة “يجب الفصل (عدم الاختلاط ) بين الرجال والنساء في أماكن العمل” تماماً أو إلى حد ما، فإن نسب أقل بكثير ترى أن أماكن العمل المختلطة تمثل عائقاً في ولوج سوق العمل. كما أنه وفي أغلب الحالات، يرى رجال أكثر من النساء أن الاختلاط في مكان العمل عائق في دخول مجال العمل.

ربما هناك عدة أسباب لعدم رؤية النساء للعمل إلى جوار الرجال كعائق يحول دون الانضمام إلى سوق العمل. على جانب، ربما تشعر نساء عديدات بوجود أعداد كافية من أماكن العمل التي تمنع الاختلاط. وعلى الجانب الآخر، بينما لا تفضل النساء العمل إلى جوار الرجال، فقد لا يشعرن بقوة هذا العامل وبأنها كافية للحيلولة دون مشاركتهن في العمل. نأمل أن تسلط البيانات التي سيتم جمعها خلال الدورة السابعة من الاستطلاع مزيدا من الضوء على هذه الردود والآراء.

المشكلة القيمية الأكثر إلحاحاً التي وضع الرجال والنساء أيديهم عليها، هي أن الرجال يحصلون على الأولية في تحصيل فرص العمل مقارنة بالنساء. في كل دولة مشمولة بالاستطلاع، ذكر المواطنون والمواطنات على السواء أن إعلاء أولوية اختيار الرجال للعمل مقارنة بالنساء أمر يمثل مشكلة تعترض دخول النساء قوة العمل، مقارنة بمشكلة الاختلاط في مكان العمل. نظراً لأن أكثر من نصف الرجال في أغلب الدول يعتقدون أن مسؤولية النساء الأساسية هي رعاية البيت والأطفال، فالمساواة في توظيف العاملين من الجنسين تُعد هدفاً صعباً.

مع ازدهار النشاط الاقتصادي المأمول بعد الجائحة، ستحتاج حكومات المنطقة إلى بذل عناية أكبر لفهم كيف يمكن مساعدة النساء في العودة للانضمام إلى سوق العمل – أو الالتحاق بها للمرة الأولى.

اطلع/ي على إنفوغرافيك الباروميتر العربي حول المشكلات تمثل عوائق تعترض دخول النساء قوة العمل في الدول العربية.