الإقبال المتباين على لقاحات فيروس كورونا في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

اختلفت كثيراً دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فيما يتعلق برد فعلها وتعاملها مع جائحة كوفيد-19. تُظهر المقارنة الإقليمية أن الدول الأوفر نصيبا من الثراء تتيح كميات أكبر من اللقاحات بالمقارنة بتعداد السكان، مقارنة بالدول غير المصدرة للنفط. لقد كشفت الدورة السادسة من الباروميتر العربي التي أنهت استطلاعها الثالث في مارس/آذار – أبريل/نيسان 2021، عن توجه مقلق آخر: التردد في الحصول على اللقاح في أوساط قطاعات كبيرة من سكان المنطقة. من بين 7 دول مشمولة بالاستطلاع، فإن الأغلبية في كل من الجزائر والعراق والأردن وتونس أفادت بأنها من غير المرجح “إلى حد ما” أو “بقوة” ألا تحصل على اللقاح المجاني. في لبنان وليبيا والمغرب فقط، أفادت نسب تفوق النصف بأنها مقبلة على اللقاح. هذه المعدلات العالية من التردد قد تقوض من التعافي المجتمعي والاقتصادي، ودون تقبل واسع فإن جهود التلقيح العامة سوف تتعطل، من ثم سيؤدي هذا للمخاطرة بإطالة أمد أزمة كوفيد.

هناك تفسير لهذه النتائج، هو تراجع نسب الثقة في الحكومات، والتي تحاكي انحسار نسب تقبل اللقاحات. فالتعامل الحكومي مع الأزمة كان في قلب النقاشات والتصورات الجماهيرية أثناء الجائحة. لتقييم هذه العلاقة، درسنا سؤالين من استطلاع الدورة السادسة، يسجلان معاً ردود الفعل أثناء المراحل الأولى من توفير اللقاح. السؤال الأول هو عن الثقة في الحكومة، والثاني عن احتمالية الحصول على اللقاح. من النظرة الأولى، يبدو أن ارتفاع نسبة الثقة في الحكومة مرتبطة بارتفاع نسب تقبل التلقيح. فالدولتان اللتان سجلتا أعلى نسبة ثقة بالحكومة (المغرب بنسبة 48 بالمئة وليبيا بنسبة 44 بالمئة) هما أيضاً أعلى دولتين في تقبل التلقيح (77 بالمئة و70 بالمئة على التوالي). كما أشارت سلمى الشامي مؤخراً، فإن الحكومة المغربية هي من بين أحسن الدول أداء في المنطقة فيما يخص التعامل العام مع أزمة كوفيد. في وقت إجراء الاستطلاع، أفاد 10 بالمئة من المستطلعين المغاربة بأنهم حصلوا على الأقل على جرعة واحدة من لقاح كوفيد. لكن لبنان تناوئ الاستنتاج المذكور، إذ أن نسبة الثقة فيها بالحكومة تبلغ 4 بالمئة وتبلغ نسبة المستعدين لتلقي اللقاح 65 بالمئة. بالمثل، فالاختلاف بين من أفادوا بالثقة في الحكومة في ليبيا (44 بالمئة) وفي الأردن (43 بالمئة) لا يمكن أن يفسر التفاوت بفارق 30 نقطة مئوية فيما يخص من يقبلون على التلقيح في الدولتين. نتائج المقارنة المباشرة بين هذين المتغيرين إذن لا تفسر لماذا يقبل الناس في بعض الدول التسجيل للحصول على اللقاح بأعداد كبيرة، مع عدم حصول هذا في دول أخرى.

إن تفسير مستويات الثقة في الحكومات يتطلب تحليلا للتوجهات المحلية والسياقات المحلية. في هذا المقال، يحاجج عبد الوهاب كيالي بأن ثمة مسؤوليتان يجب التفكير فيهما. أولاً، بعض المستطلعين يبالغون في إبداء دعمهم بسبب البيئة السياسية القمعية القائمة. ثانياً، مستويات الثقة يجب أن تخضع للتحليل في سياق الدولة دون عقد مقارنة. بالمقارنة بالدورة الخامسة من الاستطلاع، فإن حكومات العراق والأردن وليبيا والمغرب سجلت نسبا أعلى من الثقة فيها خلال الاستطلاع الأول أثناء الجائحة. لكن منذ ذلك الاستطلاع الأول، انحسرت جميع معدلات الثقة في الحكومات على المستوى الإقليمي، أو تراجعت كثيراً. من ثم، فإن المقارنات بين دول المنطقة يجب أن تستوعب تلك الزيادة الأولية في نسب الثقة في عام 2020، والتي تلاها انحسار كبير في 2021.

لكن تقسيم المستطلعين بحسب مستوى التعليم وبناء على نوع الجنس يؤدي إلى نتيجتين قابلتين للتعميم. أولاً، مع ارتفاع مستوى التعليم، هناك نسبة ثقة أقل في الحكومة، مع زيادة نسبة الإقبال على تقبل اللقاح. في جميع الدول، أفاد المستطلعون الذين حصلوا على تعليم ثانوي لا أكثر بنسب ثقة أعلى في الحكومة مقارنة بمن حصلوا على تعليم أعلى (التعليم الجامعي فما فوقه)، باستثناء ليبيا حيث بلغت النسبة في المستويين التعليميين 44 بالمئة. في المغرب وليبيا والعراق، لا يرتبط تحسن مستوى التعليم بالإقبال أكثر على تقبل اللقاح. لكن في لبنان والأردن وتونس، فإن الحاصلين على تعليم أفضل يزيد إقبالهم على تقبل اللقاح بفارق يزيد عن 10 بالمئة مقارنة بمن حصلوا على التعليم الثانوي، إذ يبلغ الفارق بين الفئتين أعلاه في لبنان بواقع 22 بالمئة فرق لصالح الأعلى تعليماً.

ثانياً، وربما هذه حقيقة مفزعة، فإن المستطلعين من الذكور أفادوا بتقبلهم أكثر بالحصول على اللقاح مقارنة بالنساء. النساء في المغرب بأغلبية هائلة تبلغ 82 بالمئة هن الفئة الأعلى تقبلاً للقاح بحسب النوع والدولة، لكن بعيدا عن هذا الاستثناء (وفي لبنان حيث الإقبال على اللقاح متوازن فيما يخص معيار النوع)، فإن الرجال هم الأكثر تقبلاً للتلقيح بواقع زيادة تبلغ 2 إلى 7% مقارنة بالنساء بحسب الدولة. تتسق هذه الردود مع نتائج من استطلاع أجري في النمسا وآخر في فرنسا، وثالث في إسرائيل، حيث النساء كن أقل تقبلاً للتلقيح مقارنة بالرجال. وفي استطلاع شمل 10 دول متقدمة تم وصف هذه الظاهرة بمسمى “لغز كوفيد الجندري”، ومفاده أنه بينما تنزع النساء للامتثال أكثر لبروتوكولات الوقاية، فإنهن “أقل تقبلاً من الرجال للحصول على اللقاح وأقل إقبالاً على تقبل أن يكون التلقيح إجبارياً”. أحدث نتائج الدورة السادسة تُظهر أن النساء في المنطقة أعلى ثقة بالحكومة بواقع 3 إلى 11 بالمئة، بناء على الدول (باستثناء ليبيا حيث الرجال أعلى ثقة بالحكومة، ولبنان حيث النسب متقاربة). مزيد من التحليل مطلوب في هذا الصدد، لكن هذا التحليل الجندري يكشف عن تخوف أولي للنساء تجاه اللقاح، رغم ثقتهن بالحكومات.

من الواضح بناء على هذه النتائج أن الكثير من مواطني المنطقة كانوا في البداية متخوفين من لقاحات كوفيد. بينما الثقة في الحكومات في سائر أنحاء المنطقة متدنية المستوى وآخذة في الانحسار، فإن أزمة الثقة هذه لا تبدو أنها توجه انعدام الثقة في اللقاح. يثير هذا سؤالا: إذا لم يكن هذا هو السبب، فما هو السبب الفعلي؟ هناك عوامل أخرى قد تفسر هذه الظاهرة، من الاعتبارات الصحية، مثلا ما يتعلق بلقاح أسترازينيكا، إلى نظريات المؤامرة العالمية. وتحديداً، فإن إفادة النساء بالتشكيك في اللقاحات أمر يستحق المزيد من الدراسة، لا سيما على المستوى المحلي. إضافة إلى مشكلات التوريد واللوجستيات الخاصة باللقاح، فإن حكومات المنطقة قد تواجه مشكلة “الطلب” على اللقاح. إلى أي مدى سيتم اللجوء إلى التشجيع الاختياري أو التلقيح الإلزامي (وهو تكتيك مفضل في المنطقة للأسف) وهل ستنجح أي من هذه الوسائل في تجاوز عقبة إحجام المواطنين عن اللقاح؟ ما زلنا لا نعرف، لكن عقارب الساعة تدور.

للاطلاع على الرسم البياني حول التردد في تلقي لقاح كورونا، يرجى الضغط هنا.


زاكاري بامبتون هو خريج حديث من جامعة برينستون وزميل في برنامج مركز تعليم اللغة العربية في الخارج (كاسا) لعام 2021-2022 في عمان، الأردن.