مواطنو الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لحكوماتهم: “الشفاء قبل الثراء”

ذكّر هانس روزلينغ جمهوره في معرض حديثه عن بيانات الصحة والتنمية في بلدان المنطقة العربية وبلدان أخرى عام 2006 ” أن الصحة لا تشترى من متجر.“ وواصل الطبيب الذائع الصيت وأستاذ الصحة العامة في معهد كارولينسكا السويدي حديثه قائلاً ” عليكم  الاستثمار في الصحة. عليكم إرسال الأطفال إلى المدارس. عليكم تدريب طواقم الصحة. عليكم تعليم السكان.” خلال جائحة كوفيد-19، أكدت جماهير الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أنها توافقه الرأي.

تظهر الدورة السادسة للباروميتر العربي أن مواطني البلدان الستة التي أُجْريَ فيها الاستبيان يحكمون على استجابات حكوماتهم للجائحة بالاستناد إلى عاملين أساسيين: نوعية نظام الرعاية الصحية وآثار جائحة كوفيد على الاقتصاد. لذا من غير المستغرب إذا أن نجد أنه حين يقيّم الجمهور العامِلَيْن سواء إيجابيا أم سلبيا، يعطي التقييم الإجمالي لاستجابة الحكومة للجائحة أعلى الدرجات أو أدناها بما يتناسب مع كل حالة. نجد المغرب من ناحية ولبنان وتونس من الناحية الاخرى يقفان على أقصى طرفي أطياف تقييمات استجابة الحكومة للجائحة. أما حين تختلط تقييمات العامِلَيْن كما حصل في الجزائر والأردن، يعطي المواطنون درجات إضافية أو أعلى لنظم الرعاية الصحية حين يقيمون استجابة الحكومة للجائحة بشكل عام.

من بين الدول التي استُطلعت آراء مواطنيها، سُجِّلتْ أعلى نسب الرضا عن أداء الحكومة أثناء الجائحة في المغرب (86 بالمئة) حيث يعتبر المواطنون أن الحكومة أحسنت تدبير الآثار الاقتصادية والاثار الصحية المترتبة على كوفيد-19 في آن واحد معا.  وفي شهري مارس وابريل 2021، أعرب نصف المغاربة تقريبا (52 بالمئة) عن الرضا  تجاه نظام الرعاية الصحية مسجلين انخفاضا طفيفا بنسبة تقل عن 6 نقاط بالمقارنة مع معدلات يوليو- اغسطس 2020  حين لم تكن حالات كوفيد- 19 قد وصلت ذروتها بعد. وحصل ذلك ايضا في نوفمبر 2020. بالإضافة الى ذلك، تكاد غالبية بسيطة (56 بالمئة) بين مارس وإبريل 2021 توحي بأن الحكومة قد أحسنت الأداء حين أبقت على الأسعار منخفضة. ويجدر القول إن احتمال أن يوافق الذين لم يكن بمقدورهم سداد نفقاتهم الأسرية (45 بالمئة) أقل بكثير من احتمال أن يفعل ذلك ال (64 بالمئة) الذين يستطيعون تغطية نفقاتهم الأسرية.

هناك أمران يميزان المغرب عن الدول الأخرى التي جرى فيها استطلاع آراء السكان: أولا، كانت حملة التلقيح التي أطلقتها الحكومة فعالة. وحتى تاريخ كتابة هذه المدونة، حصل  9.4 مليون مغربي على الجرعة الأولى من اللقاح على الأقل، ويبدو أن المواطنين متحمسون للحصول عليه.  تشير بيانات الباروميتر العربي إلى أن من المحتمل أو من المحتمل جدا أن يأخذ اللقاح 77 بالمئة من المغاربة على الاقل إن توفر، وهذه أعلى حصة من أي بلد اخر جرى استطلاع الرأي فيه.  يضاف الى ذلك أن نصف المغاربة تقريبا، أي (49 بالمئة) منهم يشيرون إلى أنهم تلقوا مساعدة اغاثية من الحكومة وبذلك يكون المغرب البلد الوحيد الذي جرى فيه الاستطلاع الذي أفاد فيه مواطن من كل خمسة مواطنين أنه حصل على مساعدة.

وفي المقابل، تشكل نسبة رضا المواطنين عن أداء حكومتهم في لبنان (16 بالمئة) وفي تونس (31 بالمئة) أدنى المعدلات المسجلة في البلدان التي جرى استطلاع الرأي فيها بين مارس وأبريل 2021.

وبالمثل تدنّى تقييم المواطنين لنظام الرعاية الصحية (17 بالمئة في لبنان و 32 بالمئة في تونس) ولأداء الحكومتين في الحد من التضخم (1  بالمئة في لبنان و13  بالمئة في تونس).  كان نظام الرعاية الصحية في لبنان يعاني من خلل وحين بدأ تفشي جائحة كوفيد-19 كان البلد واقعا لتوه في براثن أزمة مالية خانقة وصلت فيها نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي 152 بالمئة. وبحلول مارس 2021، وصلت معدلات التضخم الى 158 بالمئة  بالمقارنة مع  17.5 بالمئة العام السابق.  وفي تونس، انخفضت تقييمات استجابة الحكومة للجائحة انخفاضا هائلا بين أغسطس وأكتوبر 2020 حين بدأت أعداد الاصابات بكوفيد -19 بالتزايد. وبالتالي بدأ نظام الرعاية الصحية يتداعى وانكمش الاقتصاد وسجلت معدلات البطالة زيادة هائلة.

تتجسد الأهمية التي توليها جماهير منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا لنظم الرعاية الصحية بأجلى صورها في البلدان التي ينخفض فيها تقييم أداء الحكومة أثناء الجائحة. إذ يبدو من الدورة السادسة للباروميتر العربي أن تقييم المواطنين لنظم الرعاية الصحية تفوّق على تقييمهم للأداء الاقتصادي فكان بذلك السبب وراء ارتفاع تقييم استجابة الحكومة لجائحة كوفيد-19 بشكل عام.

فالأردن الذي قيّم فيه 47 بالمئة من المواطنين أداء الحكومة بشكل إيجابي عانى من ركود اقتصادي عام 2020 بسبب تدابير الإغلاق الشامل. وبالتالي، شكّل ارتفاع معدلات البطالة وتراجع السياحة والعوائد منها والحوالات الخلفية التي قيَّمت على أساسها أقلية من السكان بشكل إيجابي جهود الحكومة لكبح التضخم. لذلك تدنت نسبة هؤلاء الذين يقولون إن الحكومة أحسنت في الابقاء على معدلات الاسعار منخفضة من 28 بالمائة في أكتوبر 2020 إلى 18 بالمئة في مارس وأبريل 2021. وفي حين أن رضا الأردنيين عن نظام الرعاية الصحية قد انخفض انخفاضا هائلا من 76 بالمئة في سبتمبر 2020، فإن غالبية السكان (57 بالمئة ) كانوا راضين عن نظام الرعاية الصحية في مارس وإبريل 2021.

يمكن مقارنة التوجهات السائدة في الجزائر بالأردن.  ففي حين أن الرضا عن نظام الرعاية الصحية وأداء الحكومة بشأن إدارة التضخم قد انخفض، إلا أن درجة الرضا كانت كذلك أقل.  ففي مارس وابريل من 2021 كان 59 بالمئة من الجزائريين راضون عن استجابة حكومتهم لجائحة كوفيد-19. وفي الوقت ذاته، قال 29 بالمئة من الجزائريين إن الحكومة أحسنت الأداء في الابقاء على الأسعار منخفضة، في حين ان نسبة أعلى بلغت 46 بالمئة كانت راضية عن نظام الرعاية الصحية.

ليبيا هو البلد الوحيد الذي تختلف فيه التوجهات عن تلك التي لمسناها في الجزائر والأردن، وإن كان الاختلاف في الحالة الليبية يُعزى إلى السياق السياسي. أقدم المصرف المركزي الليبي على تعويم الدينار الليبي قبل أشهر من تشكيل حكومة الوحدة الوطنية في مارس 2021 استجابة ًلهبوط عوائد النفط الأمر الذي أدى إلى التخفيف من المصاعب الاقتصادية. وفي حين أن هذه الخطوة اتخذت قبل تسلّم حكومة الوحدة الوطنية السلطة، يبدوا أن الحكومة الجديدة استفادت من الخطوة التي أقدمت عليها الحكومة السابقة كما يظهر من إجابات ال 36 بالمئة من الليبيين الذين استحسنوا استجابة الحكومة لكبح التضخم. ومع أن هذه النسبة تظل منخفضة لكنها أعلى مما كانت عليه في أكتوبر أثناء ولاية الحكومة السابقة.

وفي حين يُرجّح أن تكون التدخلات الاقتصادية أسرع وأسهل تنفيذا، يتطلب إعادة تأهيل نظام الرعاية الصحية الليبي الذي دمرته سنوات الاقتتال الطويلة ومغادرة الأجانب الذين كانوا يعملون في مجال الرعاية الصحية تخطيطا أطول أجلا من قبل حكومة الوحدة الوطنية. وعليه فإن 28 بالمئة من الليبيين فقط راضون عن نظام الرعاية الصحية، إلا أن 53 بالمئة من الليبيين وهي نسبة عالية نسبيا، راضون عن تعامل الحكومة مع الجائحة. يحتمل أن يكون ذلك جزءا من شهر عسل حكومة الوحدة الوطنية ومحاولتها تبني الجائحة في الخطاب الوطني.

في الخطاب العالمي الذي قيست فيه إجراءات احتواء انتشار الفيروس بمقياس الآثار الاقتصادية المترتبة عليه، بات من الأرجح أن تتحول إدارة الأزمة الصحية إلى جزء لا يتجزأ من إدارة الأزمة الاقتصادية. أوحى خطاب روزلينغ عام 2006 بأن إيقاع التنمية كان أسرع في الأماكن التي كان الشفاء فيها أهم من الثراء. وبعد خمسة عشر عاما، يبدو أن وصفة السياسة العمومية هذه هي تماما ما يريد مواطنو الشرق الاوسط وشمال افريقيا أن تلتزم به حكوماتهم.