شهر عسل بايدن: تغير الآراء حول الولايات المتحدة الأمريكية في الدورة السادسة من الباروميتر العربي

ظهرت الصين خلال استطلاعاتنا التي أجريناها الخريف الماضي طرفاً فائزاً بكل وضوح في المنافسة بين القوى العظمى على قلوب وعقول المواطن العادي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. في جميع الدول المشمولة بالاستطلاع، كان تفضيل المواطنين للصين أكبر بكثير من الولايات المتحدة الأمريكية. لكن هذه النتيجة تغيرت على مدار الأشهر الست الأخيرة، مع زيادة الإقبال على الولايات المتحدة الأمريكية بقدر كبير، في حين ظل الرأي العام حول الصين كما هو لم يتغير. نتيجة لذلك، ورغم بقاء شعبية الصين بهامش أكبر من الولايات المتحدة الأمريكية، فالفجوة بين الدولتين تقلصت كثيراً في عدة بلدان، بينما تساوى نصيب الولايات المتحدة الأمريكية من الشعبية مع الصين في بعض البلدان.

منذ أكتوبر/تشرين الأول تحسنت تقييمات الولايات المتحدة الأمريكية بالقدر الأكبر في كل من المغرب (36+ نقطة مئوية) وليبيا (36+ نقطة مئوية) ثم الأردن (21+ نقطة) وتونس (17+ نقطة) والجزائر (7+ نقاط). في لبنان فقط ظلت الآراء كما هي لم تتغير تقريباً (2+ نقطة مئوية).

يرتبط تحسّن الآراء جلياً بتغير الإدارة الأمريكية إبان انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني 2020. عشية الانتخابات الأمريكية، وقبل فوز بايدن، كان بايدن هو المرشح المفضل بفارق أربعة أضعاف الرئيس السابق في ست من سبع دول مشمولة بالاستطلاع. على سبيل المثال، في تونس، قال 52 بالمئة إنهم يعتقدون أن سياسات بايدن ستكون أفضل بكثير للمنطقة مقارنة بـ 12 بالمئة قالوا الأمر نفسه عن سياسات ترامب. وتبين وجود نتائج مشابهة في الجزائر (43 بالمئة مقابل 7 بالمئة) وليبيا (38 بالمئة مقابل 10 بالمئة) والمغرب (39 بالمئة مقابل 9 بالمئة). في لبنان فقط لم يطرأ تغير ملموس فيما يخص دعم المرشحين، إذ تبين أن ترامب يدعمه 17 بالمئة وبلغت نسبة دعم بايدن 16 بالمئة، في حين قال عدد كبير (42 بالمئة) إن المرشحين الاثنين سيئان بنفس القدر.

ويمكن أيضاً رؤية الاختلاف في الآراء حول الإدارات الأمريكية في تصنيف المواطنين لسياسات الإدارتين. في أكتوبر/تشرين الأول 2020 قال أقل من الخُمس إن سياسات الرئيس ترامب جيدة أو جيدة جداً. وكان الدعم أعلى في لبنان (18 بالمئة) ثم المغرب (15 بالمئة) والجزائر (12 بالمئة) في حين بلغ 7 بالمئة فقط في الأردن و6 بالمئة في تونس. بالمقارنة، فإن 19 بالمئة على الأقل في الدول كافة قالوا في مارس/آذار وأبريل/نيسان 2021 إنهم يرون أن سياسات الرئيس بايدن جيدة لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وكانت التقييمات أعلى في ليبيا (47 بالمئة) والمغرب (46 بالمئة) وبلغت حدها الأدنى في الجزائر (23 بالمئة) ولبنان (19 بالمئة). يُلاحظ أن في جميع الدول باستثناء لبنان، كان هامش تفضيل سياسات بايدن الخارجية مقارنة بترامب لا يقل عن 10 بالمئة في نهاية فترة رئاسة الأخير.

كما أن وفي فترة استطلاع ربيع 2021، كان الكثيرون في شتى أنحاء المنطقة يرون أن السياسة الخارجية الأمريكية حقاً قد تغيرت في عهد بايدن مقارنة بترامب. فالنصف تقريباً أو أكثر في 4 دول مشمولة بالاستطلاع قالوا إن السياسة الخارجية تغيرت بدرجة كبيرة أو متوسطة في عهد بايدن. لم يتغيرالرأي كثيراً في لبنان والأردن فقط (27 بالمئة في كل من البلدين).

رغم هذا الأمل، فالسياسات الخارجية الأمريكية الحالية إزاء المنطقة مستمرة في تحقيق أثر سلبي قوي على الرأي العام. على سبيل المثال، شددت الولايات المتحدة الأمريكية مؤخراً على ضرورة تطبيع العلاقات بين الدول العربية وإسرائيل، ولم تتغير هذه السياسة في عهد بايدن. والاتفاقات الأخيرة بين الإمارات وإسرائيل، والبحرين وإسرائيل لاقت رفضا موسعا عبر المنطقة. في لبنان، يحبذ 20 بالمئة هذه الاتفاقات في حين أن أقل من العُشر في كافة الدول المشمولة بالاستطلاع ينظرون إليها بعين الرضا. كما أن دعم اتفاقات التطبيع بين إسرائيل والمغرب قد صادف نفس النسب تقريباً في المنطقة، بما يشمل دعم 21 بالمئة فقط في العراق، ثم 14 بالمئة في لبنان، وأقل من شخص واحد من كل 10 أشخاص في الدول الأربع الأخرى المشمولة بالاستطلاع. الاستثناء الرئيسي هنا هو المغرب نفسه، حيث يفضل 41 بالمئة من المواطنين اتفاق التطبيع، والأرجح أن يفسر ذلك باعتراف الولايات المتحدة الأمريكية رسمياً بسيادة المغرب على الصحراء الغربية بالتزامن مع إعلان التطبيع.

ونظراً لحدة المشاعر ضد إسرائيل، فربما أدت تصريحات وتحركات إدارة بايدن الأخيرة إزاء التصعيد الإقليمي الأخير في مايو/أيار 2021 إلى تراجع شعبية الولايات المتحدة الأمريكية، من بعد إجراء الاستطلاعات المذكورة، ما يعني إنهاء فترة الأمل في توجه جديد للسياسة الخارجية الأمريكية إزاء المنطقة. لكن من المبكر للغاية تحديد إن كان هذا الأمر ستكون له عواقب طويلة الأجل، أو إذا كان قيام بايدن بالتراجع عن سياسات أخرى من عهد ترامب سيؤدي إلى تحسن مستدام في شعبية الولايات المتحدة الأمريكية.

 

وفي الوقت نفسه، بينما تحسنت الآراء حول الولايات المتحدة الأمريكية منذ أكتوبر/تشرين الأول 2020، فلم يطرأ تغير يُذكر على التصورات حول الصين خلال الفترة نفسها. ففي جميع الدول المشمولة بالاستطلاع باستثناء واحدة، تغيرت الآراء حول الصين بواقع 10 نقاط مئوية أو أقل. وكما كان في السابق، فالصين تحوز على أعلى دعم في الجزائر (65 بالمئة) ثم المغرب (62 بالمئة). وربما يعود تحسن الآراء إزاء الصين في المغرب (10+) إلى تمكن المغرب من الحصول على اللقاحات الصينية في سياق حملة التلقيح الناجحة ضد فيروس كورونا. كما أن شعبية الصين عالية نسبياً في ليبيا (60 بالمئة) وتونس (59 بالمئة) في حين تبلغ أدنى مستوياتها في لبنان (38 بالمئة) والأردن (34 بالمئة).

توضح هذه النتائج أن التصورات النسبية حول القوى العالمية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا قد تغيرت منذ تحوّل دفة القيادة في واشنطن. رغم بقاء شعبية الصين أعلى بشكل عام، فقد تحسنت صورة الولايات المتحدة الأمريكية كثيراً في جميع الدول المشمولة بالاستطلاع تقريباً. وحالياً، في كل من الأردن والمغرب، تتساوى نسب شعبية الولايات المتحدة الأمريكية والصين، في حين اقتربت الولايات المتحدة كثيراً من مستوى شعبية الصين في العديد من الدول الأخرى. في الأغلب يبدو هذا مدفوعاً بالآمال المرافقة لتغير السياسات في عهد بايدن. لكن نظراً لأن الاستطلاعات قد أجريت في الأيام الأولى من عهد بايدن، فهذا التغير الإيجابي الكبير يُرجح سببه للآمال لا التغير الفعلي في السياسات. إذا لم يرى مواطنو المنطقة تغيرات في السياسات الخارجية الأمريكية نحو المنطقة في عهد بايدن، فمن المرجح أن تنحسر شعبية الولايات المتحدة الأمريكية مرة أخرى.