تغيّر المناخ: مشكلة خطيرة ولكن بعيدة عن بؤرة إهتمام العرب

يُعد التغير المناخي من أخطر التهديدات التي تواجه الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. هذه المنطقة التي تعاني من ندرة المياه إلى حد بعيد، يهدد فيها التدهور البيئي دورات سقوط الأمطار، وإمدادات الغذاء، والصحة العامة، وملفات أخرى. في واقع الأمر، تُظهر نتائج الدورة الخامسة من الباروميتر العربي أن أغلب المواطنين يرون التغير المناخي سبباً للقلق. في لبنان، ذكر 8 من كل 10 أفراد تقريباً التغير المناخي بصفته مشكلة أو مشكلة كبيرة للغاية (79 بالمئة)، وقال 7 من كل 10 الشيء نفسه في الجزائر (71 بالمئة) والسودان (69 بالمئة) والأردن (69 بالمئة) وفلسطين (68 بالمئة) وتونس (68 بالمئة). لكن معدلات القلق تعد أقل في كل من المغرب (64 بالمئة) وليبيا (63 بالمئة) ومصر (62 بالمئة) والعراق (58 بالمئة) واليمن (57 بالمئة). ومن الجدير بالملاحظة أنه وفي مختلف الدول المشمولة بالاستطلاع، ذكر المواطنون قلق أكثر إزاء تلوث المياه وجودة الهواء والقمامة، مقارنة بقلقهم من التغير المناخي. هذا التفاوت يبرز أكثر عند مقارنة الآراء حول التغير المناخي بالآراء حول تلوث المياه. على سبيل المثال، في حين يعتبر جميع العراقيين تقريباً أن تلوث المياه مشكلة خطيرة أو خطيرة للغاية (97 بالمئة)، فهم أقل قلقاً إلى حد ما إزاء التغير المناخي. لكن في العراق، كما في الدول الأخرى، أسهم التغير المناخي كثيراً في تحديات المياه التي تواجهها البلاد، فارتفاع درجات الحرارة يؤدي لجفاف مصادر المياه، ولا يقتصر الأمر على تفاقم ندرة المياه، بل أيضاً تصبح مصادر المياه أكثر ضحالة وأكثر عرضة للملوثات.[1]

نظراً للصلة القوية بين التغير المناخي والقضايا البيئية الأخرى، فما تفسير هذا التفاوت في تقديرات المبحوثين؟ هناك تفسير محتمل، يكمن في تحدي وصعوبة فهم المفاهيم المجردة مثل التغير المناخي، مقارنة بسهولة فهم مشكلة جودة الهواء أو تلوث المياه، التي تظهر آثارها ملموسة أكثر للمواطن العادي. إضافة إلى التحديات المحتملة المتعلقة بالتعاريف والمصطلحات، فاستمرار تراجع معدلات القلق إزاء التغير المناخي مقارنة بالمشكلات البيئية الأخرى قد يعكس صعوبة استيعاب الجمهور لمراوغة وانتشار تأثير التغير المناخي، وهي الصعوبة المبررة. رغم أن آثار التغير المناخي على تلوث المياه والهواء والقمامة جيدة التوثيق في الأدبيات العلمية والتقارير الخاصة بالسياسات،[2] فإن هذه الآثار ليست ظاهرة أو منتشرة عبر مصادر يسهل للناس فهمها، وهذا في ظل اقتصار الموارد وتنافس القضايا اليومية الأخرى على انتباه الناس.

ربما يكمن الحل لسد هذه الفجوة في تكثيف التوعية بالمناخ والتواصل مع الناس في هذا الملف، والتشديد على آثار التغير المناخي على مختلف الأمور المُلحة المهمة للناس. يظهر من الاهتمام الكبير طرف المبحوثين بتلوث المياه وجودة الهواء أن الجمهور العربي مهتم بالقضايا البيئية أو على استعداد للتعاطي معها. هذا الاهتمام يمثل فرصة لعمل ربط أوضح في عقول المواطنين بين هذه القضايا التي ذكروا أنها مؤثرة عليهم وتقلقهم، ودور التغير المناخي كمسبب أو مصدر لهذه المشكلات. لا يؤثر التغير المناخي فقط على البيئة، بل على الاقتصاد أيضاً. بما أن أغلب المواطنين في المنطقة يعتبرون الاقتصاد أكبر تحدي يواجه بلادهم، فإن توضيح آثار التغير المناخي على الاقتصاد مهم لزيادة اهتمام المواطنين العاديين بالمناخ. في الواقع، يتوقع البنك الدولي أن تكون منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من أكثر المناطق تضرراً بسبب “الخسائر الاقتصادية جراء ندرة المياه المتصلة بالتغير المناخي، مع تراجع معدلات النمو بما يناهز 6 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي بحلول 2050”.[3] إن الشباب النسبي لسكان المنطقة يتيح فرصة أخرى أمام التوعية بالتغير المناخي. علماً بأن نحو 60 بالمئة من السكان تحت سن 25 عاماً،[4] فإن العمل على دمج التغير المناخي أكثر بمقررات التعليم الثانوي والتعليم العالي يمكن أن يحقق استفادة من هذا التوزيع الديمغرافي الشاب، مع تشجيع الشباب على المشاركة في العمل على مواجهة التغير المناخي. هذا الأمر مهم بصورة خاصة نظراً لأن عبء إصلاح التغير المناخي يقع على كاهل الأجيال الشابة في الوقت الحالي.

إن تيمة “يوم الأرض” لهذا العام هي “مواجهة التغير المناخي”، وهي خطوة مهمة بلا شك على طريق مكافحة التغير المناخي. لكن مواجهة التغير المناخي بشكل ناجح أمر يعتمد على المشاركة العريضة من مختلف الأطراف. في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، المنطقة التي تعاني من عدم الاستقرار والمشاكل الاقتصادي ونقص الغذاء وندرة المياه، ربما يُنظر إلى التغير المناخي بصفته مشكلة كونية ومن ثم بعيدة عن بؤرة اهتمام الناس. لذا، يجب أن تشدد جهود التوعية على الآثار المحلية للتغير المناخي على حياة الناس اليومية وصلة هذه القضية بالقضايا التي اعتبر الجمهور العربي أنها مهمة لهم.

[1]  https://www.climatelinks.org/sites/default/files/asset/document/2017Mar3_GEMS_Climate%20Risk%20Profile_Iraq_FINAL.pdf

[2]  https://www.unwater.org/water-facts/climate-change/

[3]  https://www.atlanticcouncil.org/blogs/menasource/why-the-mena-region-needs-to-better-prepare-for-climate-change/

[4]  https://www.cfr.org/backgrounder/effects-youth-bulge-civil-conflicts


دانيلا راز طالبة دراسات عليا في جامعة ميشيغان تدرس في كلية الإعلام.