مشكلة التحرش الجنسي في مصر: التشجيع على البلاغات كحل محتمل

التحرش الجنسي مشكلة خطيرة في مصر. في العالم العربي، يُعد تصنيف مصر الأول من حيث التحرش الجنسي، إذ توصلت الدورة الخامسة من الباروميتر العربي إلى أنه في ظرف 12 شهراً، ذكر 42 بالمئة من المبحوثين التعرض لأحد أشكال التحرش الجنسي، وأفاد 29 بالمئة من الجنسين بالتعرض لتحرش جسدي. المشكلة كبيرة تحديداً بالنسبة إلى النساء، إذ أفادت 63 بالمئة من النساء بالتعرض لأحد أشكال التحرش الجنسي خلال فترة السنة المنقضية، وجميع الشابات تقريباً أفدن بالتعرض لشكل من أشكال التحرش (90 بالمئة من النساء بين 18و29 عاماً، و88 بالمئة من النساء بين 30 و40 عاما).

وعلى مستوى العالم، في استطلاع لتومسون رويترز في 19 مدينة من المدن الكبرى في العالم، جاء تصنيف القاهرة بصفتها المدينة الأخطر على النساء، وثالث أخطر مدينة من حيث العنف الجنسي. ولقد توصل استطلاع على مستوى الدولة إلى أن نحو 40 بالمئة من الشابات (13-35 عاما) أفدن بالتعرض للتحرش الجنسي في 2014، بما يشمل 60 بالمئة ممن يعشن في المناطق الحضرية العشوائية (Ismail, Abdel-Tawab, and Sheira 2015). وأخيراً، ورد في دراسة حكومية أن أكثر من 1.7 مليون امرأة معرضات لجملة من أشكال التحرش الجنسي في المواصلات العامة، مع تعرض نحو 2.5 مليون امرأة للتحرش الجنسي في الشوارع، على مدار السنة المنقضية، وتعرض نحو 16 ألف امرأة في سن 18 عاماً فأكبر للتحرش الجنسي في مؤسسات التعليم على مدار السنة المنقضية، ما يكلف الدولة المصرية 571 مليون جنيه مصري سنوياً. نظراً لهذه الأعداد، فمن المهم استكشاف السياسات الحالية الخاصة بمنع التحرش الجنسي بالنساء واقتراح حلول ممكنة لتهيئة أماكن عامة آمنة للنساء في مصر.

خلال السنوات الأخيرة، زاد الوعي بالتحرش الجنسي في المجال العام، تحديداً بعد حادث تحرش جنسي جماعي من قبل رجال شرطة في 2005 سُمي بيوم “الأربعاء الأسود“. بعد الواقعة، انطلقت عدة حملات ومبادرات لمكافحة التحرش الجنسي في مصر. في 2006، أصدر المركز المصري لحقوق المرأة حملته الأولى تحت عنوان “شوارع آمنة للجميع” بعد العديد من المبادرات الشبابية مثل “احترم نفسك” في 2007 و”خليك راجل” في 2009، و”نقابة المتحرشين” في 2010، وOPANTISH في 2011 وغير ذلك. أثمرت هذه الجهود بعد الثورة المصرية في 2011. اعترفت الحكومة المصرية بالمشكلة وبدأت في اتخاذ تدابير لحماية النساء من التحرش الجنسي. ظهر هذا الاعتراف بوضوح في الأطر التشريعية والمؤسسية.

لكن السياسات والمبادرات الحالية لا تزيد عن كونها مبادرات للتوعية والمناصرة، والدعم القانوني للضحايا، وتدريب النساء على الدفاع عن النفس. في حين تعد هذه المبادرات موضع ترحيب، فهي تركز على بُعد واحد من أبعاد التغيير في السياسات، وتتجاهل أبعاد أخرى مثل تغيير الأنماط الجندرية والمعايير الأبوية السائدة. هذه المعايير والقيم ترى أن أسباب التحرش هي السلوك غير القويم ولباس المرأة، وهي تبرر سلوك الرجال المتحرشين. من ثم، ففي أبحاثي، اكتشفت أنه رغم وعي النساء بشكل متزايد بأنهن ضحايا للتحرش، فليست لديهن الدوافع الكافية بعد للتبليغ بالتحرش، حتى لعائلاتهن.

تكشف بيانات الاستطلاع التي قمت بتحليلها مع زملائي مؤخراً، من استطلاع الشباب في مصر 2016 – القاهرة الكبرى العشوائية (SYPE-IGC) ما يؤكد هذا: فقط 0.4 بالمئة ممن تعرضن للتحرش اللفظي يبلغن الشرطة بالواقعة. ولا تبلغ أي من النساء اللائي يتعرضن للتحرش غير اللفظي الشرطة. فضلاً عن المذكور، فإن 36 بالمئة فقط ممن تعرضن للتحرش اللفظي في الشهور الستة الأخيرة أخبرن أي شخص على الإطلاق بما تعرضن له (Hassan, Roushdy and Sieverding, ، يصدر قريباً).

من أجل منع التحرش، لا يكفي ما يتم بذله من جهود توعية وتدريب، إذ يجب أن يرافق هذا تهيئة نظم إبلاغ آمنة بمراكز الشرطة في مختلف المناطق. كما أن تواجد ضابطات شرطة مهم للغاية لكي تشعر النساء بالراحة والأمان أثناء تقديم البلاغات حول التحرش. كما أن الأماكن التي تشهد تحرشاً، مثل المدارس ومراكز الشباب والمواصلات والأسواق، يجب أن تتوفر بها آليات تيسر من تقديم البلاغات حال التعرض للتحرش.

ومن المهم للغاية تكملة لجهود توفير الأمان والسلامة، أن تتوفر آليات بلاغات  رسمية وأخرى غير رسمية، والتشجيع على اللجوء إليها انطلاقاً من قناعة المجتمعات المحلية المختلفة بأهميتها. قد يمثل هذا أداة أقوى بكثير لمكافحة التحرش وتغيير التقاليد والأعراف الاجتماعية والثقافية المحيطة بلوم الضحية ووصم النساء المعرضات للتحرش. هناك الكثير من البحوث التي تُظهر أن النساء قد يشعرن بالخزي أو الحرج أو الخوف من ألا يصدقهن أحد عندما يبلغن بالتعرض للتحرش. قد تشعر بعض النساء بأن مجتمعاتهن وعائلاتهن ستلقي باللوم عليهن حال الكشف عن التعرض للتحرش، ما قد يضر بالسمعة أو يؤدي إلى قيود على تنقلاتهن (Hassan et al.، مرجع سابق). إن التعاون مع القيادات المجتمعية وأصحاب المصلحة المختلفين لهو أمر بالغ الأهمية لتغيير ثقافة الوصم ولتشجيع النساء على الإبلاغ عن التحرش.

المراجع:

Ismail, S., Abdel-Tawab, N., Sheira, L., 2015. Health of Egyptian youth in 2014: Knowledge, attitudes and behaviors, in: Roushdy, R., Sieverding, M. (Eds.), Panel Survey of Young People in Egypt 2014: Generating Evidence for Policy, Programs and Research. Population Council, Cairo, Egypt.

Hassan, R., Roushdy, R., Sieverding, M., forthcoming, An application of the ecological model to understanding and preventing sexual harassment in informal areas of Cairo. Population Council, Cairo, Egypt.

رشا حسن هي باحثة، إستشارية، ومرشحة دكتوراه في جامعة القاهرة، مصر.