قلق من تراجع الحريات في الدول العربية

على مدار العام الماضي، تمت مواجهة عدة مظاهرات سلمية باستخدام العنف، من قبل سلطات العديد من الدول في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. لكن حتى قبل المظاهرات الأخيرة، يبدو من الأدلة المتوفرة أن المواطنين في شتى أنحاء المنطقة أصبحوا يتمتعون بحقوق أساسية أقل بكثير من تلك التي كانت متوفرة لهم بعد الانتفاضات العربية في 2011. يتضح من نتائج الباروميتر العربي أن إقبال المواطنين على القول بأن حقوقهم الأساسية مضمونة عبر المنطقة قد تراجع كثيراً منذ 2016. هذا الانحسار المقلق يعكس تغير البيئة الإقليمية، التي شهدت تراجعاً كبيراً في حقوق حرية التعبير والتجمع وتكوين الجمعيات.

لعل حرية التعبير هي الحق السياسي الأكثر أساسية الذي يضيق عليه عادة القادة السياسيون. ففي شتى أنحاء المنطقة، تراجعت نسبة المواطنين الذين يقولون بأن هذا الحق مضمون بدرجة كبيرة أو متوسطة بواقع 20 نقطة مئوية منذ 2016، فأصبحت النسبة 43 بالمئة بعد أن كانت 63 بالمئة. هناك انحسار في النسبة في دول عبر مختلف أنحاء المنطقة، وبلغت النسبة 25 نقطة مئوية في لبنان، و19 نقطة في المغرب، و12 نقطة في مصر. وفي جميع الدول المشمولة بالاستطلاع، ربما كان الشعب التونسي هو الأكثر إقبالاً على القول بأن الحق في حرية التعبير مكفول (66 بالمئة)، وهي نتيجة غير مخالفة للتوقعات، لكن هذه النسبة بدورها انحسرت قياساً بعام 2016 (6- نقاط مئوية).

ولقد طرأ انحسار مماثل فيما يخص الحق في حرية التظاهر السلمي. ففي شتى أنحاء المنطقة، تراجعت نسبة القائلين بتمتعهم بهذا الحق 15 نقطة مئوية منذ 2016، فأصبحت النسبة 35 بالمئة بعد أن كانت 50 بالمئة. يسري هذا الوضع بصورة خاصة في لبنان، حيث تراجعت نسبة من يقولون إن هذا الحق مضمون لهم لدرجة كبيرة أو متوسطة بواقع 33 نقطة، مع حدوث تراجع كبير أيضاً في دول منها مصر (12- نقطة مئوية) والأردن (12- نقطة مئوية) والمغرب (11- نقطة مئوية). مرة أخرى، كان الشعب التونسي هو الأكثر إقبالاً على القول بأن هذا الحق مضمون (48 بالمئة) رغم أن النسبة هناك انحسرت 17 نقطة منذ 2016.

أشار المواطنون في مختلف أنحاء المنطقة أيضاً إلى أن قدرتهم على الانضمام إلى منظمات مجتمع مدني قد تراجعت، فأصبحت النسبة القائلة بأن هذا الحق مضمون 48 بالمئة بعد أن كانت 64 بالمئة في 2016. كما طرأ انحسار في أغلب الدول المشمولة بالاستطلاع، وبلغت نسبة التراجع في لبنان 38 نقطة، وبلغت 27 نقطة في المغرب، و16 نقطة في الأردن. حتى تونس – البلد الأكثر ديمقراطية في المنطقة – شهدت انحساراً بواقع 12 نقطة مئوية خلال هذه الفترة، لتصبح النسبة 50 بالمئة فقط.

هذه التغيرات الكبيرة في درجة كفالة الحقوق الأساسية للمواطنين هي بلا شك جزء لا يتجزأ من موجة الغضب الأشمل التي تعم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا اليوم. المواطنون الذين يفتقرون إلى حقوق الإنسان الأساسية لا يشعرون باحترام حكوماتهم لكرامتهم، ما يؤدي بهم إلى طلب تغييرات أكبر وأكبر. يكشف هذا عن أن الانتكاس في المكاسب التي تحققت في مطلع العقد الماضي عبر المنطقة هي ظاهرة عمت مختلف الدول، ومنها دول أكثر انفتاحاً مثل لبنان والأردن وتونس. الأفضل لدول المنطقة زيادة قدرة المواطنين على التعبير عن مطالبهم للحكومات عن طريق كفالة حرية التعبير والتجمع وتكوين الجمعيات. دون هذه التغييرات، فمن المرجح ألا تخفت حدة موجة الغضب خلال السنوات المقبلة.