
هذه النسخة المترجمة للمقال الذي صدر في الأصل باللغة الانجليزية في مجلة “فورين أفيرز”.
ما تزال سوريا في مرحلة انتقالية حتى بعد مرور عام على سقوط الرئيس بشار الأسد. معظم بُناها الأساسية مهدمة، وقد تتجاوز تكلفة إعادة إعمار ما دمرته الحرب مئتي مليار دولار. تحتاج سوريا اليوم قوانين ومؤسسات قادرة على تيسير إعادة الإعمار، ومساءلة المجرمين وضمان استجابة الحكومة الجديدة لما يريده مواطنوها. بكلمات أخرى، على سوريا أن تُعيد صنع نفسها مجددا وأن تؤدي المهام المطلوبة منها في آن واحد معا.
يتطلب إنجاز مهمة إعادة إعمار سوريا على أحسن وجه أن يتفهم قادتها وداعموها الدوليين ما يريده مواطنوها وما يحتاجوه. أجرى البارومتر العربي – وهو شبكة بحث غير ربحية نساهم في إدارتها – في الفترة ما بين 29 تشرين الأول/أكتوبر و 17 تشرين الثاني/نوفمبر أول استطلاع لرأي الشعب السوري. بالتعاون مع شريكنا في سوريا، فريق RMTeam International اخترنا 29 باحثا وباحثة أجروا مقابلات وجها لوجه في مكان إقامة كل شخص من البالغين الـ 1،229 الذين وقع عليهم الاختيار عشوائيا. تكلم الباحثون باللغتين العربية والكردية.
تدفعنا النتائج التي خلص إليها الاستبيان إلى الإحساس بالتفاؤل تجاه مستقبل سوريا. وجدنا أن الشعب السوري يشعر بالأمل، ويدعم الديموقراطية، ويتقبل المساعدة بما في ذلك من الولايات المتحدة الامريكية وأوروبا. السوريون راضون عن حكومتهم الحالية ويثقون بها. لكن تظهر النتائج التي خلصنا إليها أن هناك ما يدعو إلى القلق أيضا. بداية، لا يشعر السوريون عموما بالرضا عن حالة الاقتصاد والخدمات الحكومية. كما يشعرون بالقلق إزاء مسألة الأمن الداخلي. يريدون تصحيح أخطاء الماضي: ما سبق منها سقوط نظام بشار الأسد وما تلاه. بًيْدَ أن آراءهم تتباين تجاه تحديد المجموعة الإثنية والدينية الأَجدر أن تحظى معاناتُها بالاهتمام. وأخيرا، تتباين شعبية الحكومة بين منطقة وأخرى تباينا هائلا. أحمد الشرع رئيس الدولة الجديد محبوب عموما. ولكن شعبيته هو وفريقه أقل في بعض المحافظات التي تتركز فيها أقليات البلاد.
يعني ذلك أن المهمة التي تنتظر دمشق صعبة. فالحكومة الجديدة اشترت لنفسها الوقت لتُحَِّسنَ الأوضاع، الأمر الذي يعود الفضل فيه للنظرة الايجابية التي تحظى بها. لكن سينتهي شهر العسل في نهاية المطاف، وستُقَيّمُ الحكومة من خلال أدائها. إن لم يستطع الشرع وفريقه أن يجعل السوريين أكثر رفاها في المستقبل القريب، أو أن يتفاعل مع جميع المواطنين، قد تتدهور معدلات القبول ويستفحل الصراع الداخلي في سوريا من جديد.
أخبار سارة وأخرى غير سارة
يمكن للتصورات السياسية أن تتغير بسرعة. لكّن التقييم الإيجابي الذي تحظى به الحكومة السورية الجديدة فيما حضر يكفي لإثارة غيرة زعماء العالم الآخرين. لقد وضّح الاستبيان الذي أجريناه أن الشرع يحظى بثقة 81 بالمئة من السوريين. وتحظى الحكومة الوطنية ككل بثقة 71 بالمئة من السكان. ويثق 62 بالمائة من السكان بالمحاكم وبالنظام القضائي، ويؤيد 71 بالمئة منهم الجيش.
بكل بساطة، لا يبدو أن مَرَدّ هذه الردود الإيجابية هو القمع السياسي. إذ لم يتوانَ معظم نُقّاد الحكومة عن الإدلاء بملاحظاتهم للباحثين. فقد أقرّ أغلبية السوريين أنهم يتمتعون بحرية التعبير (73 بالمئة) وحرية الصحافة ( 73 بالمئة) وحرية المشاركة في الاحتجاجات السلمية (65 بالمئة). لكن عددا أقل منهم تبلغ نسبته (53 بالمئة) واثق أن مجلس الشعب المنتخب حديثا – وهو برلمان أحادي المجلس – سيمثل مصالحهم. أربعون بالمئة فقط يعتقدون أن الحكومة شرحت بوضوح عملية الانتخاب للبرلمانيين، واعطت الجميع فرصة متكافئة للتنافس. ومع ذلك، يقرّ (67 بالمئة) من السوريين أن الحكومة تستجيب كثيرا أو تستجيب إلى حد كبير لما يريده الشعب.
من غير الصعب أن نفهم سبب الحماس الذي يشعر به السوريون. إذ لم يمض على وجود القيادة الحالية في السلطة أكثر من عام. والناس يقارنون سِجِلّها الوليد بإرث حكم الأسد الوحشي الذي امتد لسنين طوال. أفاد ثمانية وسبعون بالمئة من السوريين أنهم واجهوا بين 2011 و 2024 مرة أو أكثر كبرى التحديات التي قلبت حياتهم رأسا على عقب ومنها على سبيل المثال النزوح أو مصادرة الممتلكات وتدميرها، أو تعطيل سبل العيش أو مسار التعليم، أو موت أحد أفراد الأسرة أو الترهيب والمضايقة سياسيا. مقارنة بذلك، أفاد 14 بالمئة من السوريين أنهم واجهوا واحدة أو أكثر من تلك التحديات منذ بداية عام 2025. ويؤمن خمسون بالمئة من المواطنين أن الفساد مستفحل في أجهزة الدولة ومؤسساتها على الصعيد الوطني. لكن 70 بالمئة يرون أنه أقل انتشارا ً اليوم مما كان عليه تحت حكم الاسد. يؤمن ستٌ وسبعون بالمائة من الذين استُطلعت آراؤهم أن حياة أطفالهم ستكون أفضل من حياتهم. يستتبع ذلك اعتقاد ستة وسبعين بالمئة من السوريين أن سياسات الشرع ستكون أفضل لسوريا من سياسات سلفه.
لكن ستؤول الذكريات إلى التلاشي في نهاية المطاف. وسيبدأ السوريون تقييم الشرع بناءً على ما يشعرون به آنيا. وحين يحدث ذلك، ستجد حكومة سوريا الجديدة نفسها في ورطة. ففي في معظم الحالات، ينظر السوريون إلى الاقتصاد باعتباره أحد أهم مشاغلهم السياسية، في حين أن سبعة عشر بالمائة منهم فقط راضون عن أدائه. حين عُرِضت على السوريين قائمة من الاختيارات لتحديد أخطر التحديات التي تواجهها سوريا ، رأى (31 بالمئة) من السوريين أن التضخم هو أخطرها ، ورأى (24 بالمئة) منهم أن عدم وجود فرص عمل هو التحدي الأخطر، في حين رأى (23 بالمئة) أن الفقر هو الأخطر بين التحديات. وعلى المستوى الفردي، يفيد 56 من السوريين أن توفير احتياجاتهم الأساسية صعب. وترى نسبة كبيرة جدا من السوريين تبلغ (86 بالمئة) أن صافي دخل أسرتهم لا يغطي نفقاتهم في حين أن 77 بالمئة من المواطنين غير راضين عن أداء السلطات الحاكمة على الرغم أن ذلك لا يعني بالضرورة الحكومة الوطنية حصرا حين يتعلق الأمر بخلق فرص العمل. يؤثر غياب الأمن الغذائي على قسم كبير من المواطنين. إذ يشير 65 بالمئة من السوريين و 73 بالمئة من النازحين الذين صنفوا أنفسهم في هذه الفئة أن غذاءهم نفد في الأيام الثلاثين الماضية قبل أن يتوفر لديهم المال لشراء المزيد منه. وبالمثل، معظم السوريين غير راضين عن حالة البنى الاساسية. أقل من نصف السوريين راضين عن موضوع توفير الكهرباء (41 بالمئة) والماء (32 بالمئة) وتوفر السكن الميسور التكلفة (35 بالمئة) ونظام الرعاية الصحية (36 بالمئة).
أخيرا، لا يزال القلق يعتري السوريين إزاء موضوع أمنهم. فرغم أن معظم السوريين تقريبا والذين بلغت نسبتهم تحديدا 94 بالمئة يشعرون بالأمان في الأحياء التي يسكنونها إلا أنهم جميعا صنفوا الحاجة إلى ضمان احتكار (الدولة) لاستخدام السلاح باعتبارها ثاني أكبر التحديات التي تواجه البلاد. يريد معظم السوريين (74 بالمئة) أن تجمع الحكومة السلاح من المجموعات المسلحة غير التابعة للدولة و يريد (78 بالمئة) أن يُسحب السلاح من أيدي من لم يؤذن لهم بحمله. ويرى هؤلاء أن هذه الأسلحة تشكل تهديدات خطيرة. واعتبر 63 بالمئة من المواطنين أنَ الخطف يشكل تهديدا خطيرا أيضا.
تباين الآراء
لعل أكثر النتائج المُوجِبةِ لقلق الحكومة السورية التي لا تزال تسعى جاهدة لتوحيد البلاد عدم تكافؤ الدعم الذي تحصل عليه والذي يتأثر باعتبارات جغرافية. تحظى قيادة الدولة بشعبية في معظم المحافظات. لكنْ في اللاذقية والسويداء وطرطوس تنخفض كثيرا ثقة المواطنين بالحكومة الوطنية. تبلغ نسبة المواطنين الذين يثقون بالحكومة الوطنية (36 بالمئة) وبالمحاكم (33 بالمئة) وبالجيش (22 بالمئة) وبالرئيس (36 بالمئة). لا يؤمن السوريون الذين يعيشون في هذه المحافظات أيضا أن حيّز حرياتهم الشخصية واسع. أقل من النصف بكثير يعتقدون أن حريات التعبير ( 31 بالمئة) والصحافة ( 34 بالمئة ) والتجمع (16 بالمئة) مضمونة. وفي الوقت ذاته، لا تتجاوز نسبة الذين يعتقدون أن الحكومة تستجيب لاحتياجاتهم 35 بالمئة من الناس في هذه المناطق في حين تبلغ نسبة الراضين عن أداء الحكومة الوطنية 41 بالمئة فقط.
من المحتمل أن تعكس هذه الأرقام انقسامات طائفية زرعها نظام الأسد وظلت مستفحلة حتى بعد سقوطه. أعداد كبيرة من علويي البلاد تسكن في اللاذقية وطرطوس ويسكن دروزها في السويداء. تشكّل هاتان الطائفتان الأقليات الدينية-الإثنية الأكثر عددا في سوريا. سيطر العلويون على حكومة الأسد وكانوا المجموعة الأكثر حظوة فيها. وقد نجح النظام السابق في تطويعهم مع بعض أفراد طوائف الأقليات الأخرى ومنهم الدروز أحيانا (ولو أن أيا من تلك الطوائف لم تكن يوما كتلة متجانسة بالكامل أو أحادية التوجّه من حيث ولاءاتها). لقد قمع نظام الأسد بانتظام الأغلبية العربية السنية في سوريا وحرمها من هذه المعاملة التفضيلية. الآن، تسلمت هذه الأغلبية الإثنية الدينية مقاليد الحكم ولم تستوعب الطوائف السورية الأخرى أو تقدم لها ما يكفي من الحماية. لقد شهدت سوريا خلال عام 2025 أعمال قتل ثأرية ونهب ومجازر ضد العلويين في اللاذقية وطرطوس وضد الدروز مما يبرر مخاوف هاتين المجموعتين من الحياة في سوريا ما بعد الأسد.
يدرك السوريون حقيقة التحدي الطائفي. ثمانية وسبعون بالمئة منهم يؤمنون أن التعصب تجاه الآخر مشكلة تؤثر على البلاد. يريدون بناء سوريا تستوعب الجميع، بل وتستوعبهم أكثر مما هو الحال عليه الآن. وحين طُلب منهم تحديد أهم درس تعلّموه من أحداث 2011-2014 وهي سنوات الانتفاضة السورية، جاء رد الأغلبية النسبية – التي بلغت 41 بالمئة – أن الدرس الأهم كان قبول الآخر وقبول اختلافه. سألنا السوريين عن الفئة التي كانت الأكثر حاجة في رأيهم للحصول على ضمانات تتعلق بسلامتها وبتفضيلاتها السياسية والاعتراف بالمظالم التي عانت منها قبل 2024 وبعده. وافق أكثر من النصف بقليل – 53 بالمئة – من الذين استُطلعت آراؤهم أن حاجة الأغلبية والأقليات للإحساس بالأمان متساوية. وأقر واحد وخمسون بالمائة من السوريين بحاجة الأغلبية والأقليات السورية إلى احترام تفضيلاتهم السياسية من قبل السوريين الآخرين، في حين وافق خمسة وخمسون بالمئة على ضرورة تمثيل الأغلبية والأقليات في الحكومة.
لكن هذه الأرقام ليست أرقاما مطلقة، بل ويتدنّى توافق الآراء حين يتعلق الأمر بالطوائف الأحق بالعدالة. تؤمن الأغلبية النسبية في سوريا بضرورة الاعتراف بمعاناة الأغلبية والأقليات سواء ما سبق منها عام 2024 أو ما تلاه (بلغت هذه النسبة 40 بالمئة قبل 2024 و31 بالمئة بعد 2024). لكن نسبة ملحوظة بلغت 38 بالمئة رأت أن الظلم الذي وقع على الأغلبية في سوريا قبل 2024 كان الأجدر بالاعتراف .
وبالتالي لا تزال سوريا بحاجة إلى نظام عدالة انتقالية مصمم بعناية. سيقتضي ذلك إصلاح الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية. كُلّفت هذه الهيئة حاليا بالتحقيق في الجرائم ومساءلة مرتكبيها وتعويض ضحاياها والترويج للمصالحة وانحصر عملها بالإساءات التي ارتكبها نظام الأسد. وبذلك تُسْتثنى آلاف عمليات القتل والفظائع التي ارتكبتها المجموعات المسلحة الأخرى. ولحسن حظ الدولة في مستقبلها، يرى 70 بالمئة من السوريين أن عمل الهيئة يجب أن يشمل تلك الجرائم أيضا. كما أن الأغلبية العظمى من السوريين تعارض العنف خارج نطاق القضاء. يؤمن تسعة بالمائة فقط من السوريين أن الإجراءات التي تتخذ خارج نطاق القضاء تؤدي إلى حلول أكثر انصافا، بينما يؤمن ما لا يزيد عن 19 بالمئة منهم أنها ستؤدي الى نتائج أسرع.
بالتالي، سيخفف إنشاء آلية قضائية أفضل من حدة التوترات الطائفية. بَيْدَ أن بناء دولة مستقرة حقا وعادلة سيتطلب أن تصبح سوريا دولة ديمقراطية. لا يعتبر معظم المواطنين السوريين أن الحكومة الحالية ديمقراطية إلى حد بعيد، لكن 71 بالمئة منهم يؤمنون أن الديموقراطية تظل رغم مشاكلها أفضل بكثير من بدائلها. ووافق أقل من نصف الذين استُطلعت آراؤهم (43 بالمئة) فقط على العبارة التالية: ” يحتاج هذا البلد زعيما يستطيع أن يلتف على القواعد إن اقتضى الأمر ذلك لإنجاز ما يجب إنجازه”.
الحاجة إلى المساعدة
ما من شك أن بناء سوريا ديموقراطية تنعم بالرفاه وتستوعب الجميع هو مطلب صعب المنال لكن سوريا غير مضطرة ولا هي تريد أن تقطع هذا الشوط وحدها. ووفقا للنتائج التي خلص إليها استبياننا، فإن معظم السوريين مستعدون لتقبل المساعدة من بلدان أخرى. حين عُرضت عليهم قائمة بالخيارات المتاحة، أشار80 بالمئة منهم إلى الحاجة لمساعدة اقتصادية خارجية من نوع ما: 45 بالمئة منهم رأوا أنهم بحاجة إلى مساعدة إنمائية اقتصادية. 36 بالمئة اختاروا المساعدة على إعادة بناء البنى الأساسية. 4 بالمئة فقط قالوا إنهم لا يريدون مساعدة أيا كان نوعها.
لدى دمشق اليوم العديد من الشركاء المحتملين الذين يتمتعون بشرعية شعبية. تتصدر المملكة العربية السعودية وقطر هذه القائمة بمعدلات قبول بلغت نسبتها 87 بالمئة للسعودية و 83 بالمئة لقطر على التوالي. قد يكون ذلك انعكاسا لملايين الدولارات التي قدّمها أو تعهد كل منهما بتقديمها لسوريا. تأتي تركيا في المرتبة الثالثة إذ حظيت بـ 73 بالمئة من هذه المعدلات. وحظي الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وسياسته الخارجية بمعدل قبول إيجابي مشابه بلغت نسبته 69 بالمئة بين صفوف السوريين مما يوحي أن معظمهم يؤيدون دعمه للشرع وهيئة تحرير الشام التي أسسها الشرع وساعدته على الإطاحة بنظام الأسد. لكن هذا الشعور لا يشمل الجميع. إذ لا تتجاوز نسبة من ينظرون نظرة إيجابية إلى أردوغان 38 بالمئة بين الذين عرّفوا أنفسهم بأنهم ينتمون الى أقلية مقارنة بـ 81 بالمئة من هؤلاء الذين لا يرون أنفسهم ضمن هذه الفئة. وكما كان الحال عليه بالنسبة لآراء المشاركين حول السياسات المحلية، هناك انقسامات هامة داخل سوريا حول موضوع العلاقات الخارجية.
يدعم السوريين على تعدد هوياتهم أوروبا وواشنطن. ينظر سبعون بالمئة من السكان، منهم 66 بالمئة يعرفون أنفسهم بأنهم من الأقليات، بشكل إيجابي إلى الاتحاد الأوروبي. وتنظر منهم نسبة مماثلة، وهي 66 بالمئة بشكل إيجابي إلى الولايات المتحدة الأمريكية تضم الـ 60 بالمئة من الذين يعرّفون أنفسهم بأنهم ينتمون إلى الاقليات. واحد وستون بالمئة من المواطنين ينظرون بشكل إيجابي للرئيس الأمريكي دونالد ترامب شخصيا. وهذا الرقم مرتفع بشكل ملحوظ خاصة في هذه المنطقة التي لا تستسيغ الأغلبية فيها الرئيس ترامب. ولكن ذلك منطقي لأن ترامب رفع بعد فترة ليست بطويلة بعد توليه مهام منصبه العقوبات الاقتصادية التي فرضتها واشنطن عقابا لسوريا.
لكن معدلات قبول ترامب لا تعني دعم السوريين لسعيه لبناء علاقات بين بلدهم وإسرائيل. وحقيقة الأمر أن نسبة لا تتجاوز 14 بالمئة من السوريين تؤيد تطبيع العلاقات. جميع من استُطلعت آراؤهم(92 بالمئة) يرون في احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية وهجومها على إيران ولبنان وسوريا تهديدا خطيرا لأمنهم. ولا يتجاوز عدد الذين عبّروا عن موقف إيجابي من إسرائيل الأربعة بالمئة، وهي نسبة تشبه الخمسة بالمئة الذين يؤيدون إيران والـ 16 بالمئة الذين يدعمون روسيا، وهما البلدان الوحيدان اللذان قدّما لنظام الأسد دعما مباشرا. توحي هذه النتائج بأن على ترامب أن يتخلى عن هذا الطرح البعيد عن الواقع الذي يضع الحكومة السورية الحالية في موضع تتعارض فيه مواقفها بشكل مباشر مع ما تفضّله الأغلبية العظمى من مواطنيها. عوضا عن ذلك، قد يُكتب للولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها المزيد من النجاح إذا واصلت تقديم الدعم التقني والمالي اللذًيْن تحتاجهما سوريا لإعادة الإعمار ومواجهة التحديات الاجتماعية الداخلية. بذلك تكون الولايات المتحدة وحلفاؤها قد ساهموا أيضا بمساعدة الدولة على تثبيت أقدامها فتصبح شريكا أقوى للولايات المتحدة في منطقة بالغة الحساسية للمصالح الأمريكية. (يبدو أن الولايات المتحدة الامريكية وحلفاءها يتقدما على الصين في سوريا التي لا تتجاوز نسبة المؤيدين لها من المواطنين 37 بالمئة).
على واشنطن أن تتحرك بسرعة إن كانت تريد لمساعيها النجاح. وعلى حكومة سوريا أن تفعل ذلك أيضا. صحيح أن الشعب السوري سعيد بأفول نظام الأسد، وكلّه أمل بما هو آت. لكنه لا يزال قلقا من المستقبل وغيرَ راضٍ عن الحاضر. فرصة بناء سوريا الأفضل قائمة الآن لكنها لن تبقى بالضرورة قائمة إلى الأبد.
يمكن قراءة المقال الأصلي باللغة الانجليزية على منصة "فورين أفيرز"