رؤى الشباب: جودة الحياة والظروف الاقتصادية (الجزء الثاني)

ما الذي يحرك ويشكّل الاختلاف من شخص لآخر حول مدى التفاؤل إزاء المستقبل في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا؟ توصل الجزء الأول من هذا المقال إلى أنه لا توجد علاقة مباشرة بين جودة الحياة وتقييمات الناس للظروف الاقتصادية. قد يعتقد المواطنون بالمنطقة أن جودة حياتهم في المستقبل سوف تتحسن، حتى إذا كانوا في الوقت نفسه أقل اعتقاداً بأن الظرف الاقتصادي سيتحسن على مدار العامين إلى الثلاثة أعوام المقبلة. كما أن عامل السن وحده لا يفسر الاختلاف في الآراء حول هذه المسألة. في ظل استثناءات قليلة، فآراء الشباب بين 18 و29 عاماً لا تختلف كثيراً عن آراء الشرائح الأكبر سناً، من 30 عاماً فأكبر.

هذا الجزء الثاني يسعى إلى فهم الاختلاف فيما وراء عامل السن، حيث يجمع بين السن والنوع الاجتماعي، وبهذا الربط نرى اختلافات أوضح بين شريحتي الشباب والأكبر سناً في المنطقة. كما يكشف عن أنساق معينة في بعض الدول، حيث الشباب في السودان وموريتانيا أكثر إيجابية بكثير من أقرانهم الأكبر سناً. إن إدخال النوع كعامل يسلط الضوء على كيف أن الشابات أكثر إيجابية، لا سيما في موريتانيا والسودان، وخصوصاً حول الأسئلة المتعلقة بجودة الحياة. من ثم فنحن بصدد اختلاف على خط النوع الاجتماعي حول التوقعات إزاء المستقبل، حيث النساء – لا سيما الشابات – أكثر نزوعاً لتبني الآراء الإيجابية مقارنة بالأكبر سناً وبالذكور.

في المجمل، تُعد النساء أكثر إيجابية من الرجال، والشابات أكثر إيجابية في بعض الدول – موريتانيا والسودان – مقارنة بالرجال من نفس الشريحة العمرية والنساء الأكبر سناً. وفي تسع دول، تبين أن الشابات أكثر إقبالاً من النساء في شريحة 30 عاماً فأكبر على القول بأن جودة حياتهن أفضل من جودة حياة الآباء. تعد الفجوة بين الشريحتين كبيرة بصورة خاصة (10+ نقاط مئوية) في كل من تونس والجزائر والأردن وموريتانيا والعراق. كما أن الشابات في ست دول أكثر إقبالاً من النساء في سن 30 عاماً فأكبر على القول بأن حياة أبنائهن ستكون أفضل من حياتهن، ما يُظهر المزيد من التفاؤل.

إضافة إلى التفاوتات بين الشرائح العمرية للنساء حول هذه المسألة، فهناك اختلافات كبيرة أيضاً بين الشباب والشابات. فالشابات في سبع دول أكثر إقبالاً من الشباب على القول بأن جودة حياتهن أفضل من جودة حياة الآباء. وفي ست دول، قالت الشابات بقدر أكبر من الشباب بأن جودة حياة الأبناء ستكون أفضل من جودة حياتهن.

هذا التوجه الإيجابي في أوساط الشابات مقارنة بالنساء الأكبر سناً لا يستمر فيما يخص مسألة الوضع الاقتصادي في دولهن.

فحول الوضع الاقتصادي الراهن في بلدانهن، كانت الشابات في كل من العراق (13+ نقطة مئوية) والسودان (5+ نقاط مئوية) فقط أكثر إيجابية في تقديراتهن مقارنة بالنساء الأكبر سناً. وحول مستقبل الاقتصاد في البلد، كانت الشابات في الجزائر ومصر فحسب هن الأكثر إيجابية في الآراء مقارنة بالنساء في سن 30 عاماً فأكبر (الجزائر: 6+ نقاط مئوية، ومصر 5+ نقاط مئوية). ولدى المقارنة بالرجال، فالشابات أكثر إيجابية من الشباب حول مستقبل بلادهن الاقتصادي في ست دول، والنساء الأكبر من 30 عاماً أكثر إيجابية حول نفس السؤال مقارنة بالرجال فوق 30 عاماً في خمس دول.

وفي موريتانيا، تبين أن الشباب – لا سيما الشابات – أكثر إيجابية مقارنة بالنساء الأكبر سناً لا سيما حول أسئلة جودة الحياة. فالشباب (من الجنسين) في موريتانيا أكثر تفاؤلاً حول أسئلة جودة الحياة مقارنة بالأجيال الأكبر. ولقد أظهر الجيل الشاب في موريتانيا أكبر اختلاف من بين الدول فيما يتعلق بتقديراتهم لجودة حياتهم، إذ أن هنالك فجوة بواقع 7+ نقاط مئوية بين الشريحتين العمريتين. والفرق بين الشرائح العمرية كبير أيضاً فيما يخص السؤال عن جودة حياة الأبناء، بواقع 13+ نقطة مئوية. والشابات الموريتانيات هنّ الأكثر تفاؤلاً مقارنة بالشرائح الأكبر، حول جودة الحياة، بفارق 10+ نقاط مئوية أكثر من النساء الأكبر سناً، فيما يخص سؤال جودة الحياة حاليا، ويبلغ الفارق 23+ نقطة مئوية فيما يخص سؤال جودة حياة الأبناء. السكان في موريتانيا أكثرهم من الشباب، حيث أكثر من 60 بالمئة من السكان تحت سن 25 عاماً. بينما لا يوجد الكثير ها هنا مما يكشف عن توجهات وآراء الشباب الموريتانيا الأعرض نطاقاً، فالأسئلة المهمة قد تشمل استكشاف مشاركتهم الاجتماعية والسياسية وإذا كانت تسهم في إيجابيتهم نحو مسألة جودة الحياة.

بالمثل، فإن الشباب في السودان – من الجنسين – أكثر تفاؤلاً مقارنة بالأجيال الأكبر حول نفس الأسئلة. فالشباب أكثر إيجابية بفارق 5+ نقاط مئوية من الأكبر سناً فيما يخص تصوراتهم عن جودة الحياة مقارنة بجودة حياة جيل الآباء، و10+ نقاط مئوية أكثر إقبالاً على القول بأن جودة حياة الأبناء ستكون أفضل. أظهر الشباب السوداني آراء إيجابية أكثر حول الاقتصاد، حيث تبلغ الفجوة 5+ نقاط مئوية بين تقديراته للوضع الاقتصادي الحالي وتقديرات الجيل الأكبر، وتبلغ الفجوة 6+ نقاط مئوية فيما يخص التفكير في مستقبل الاقتصاد. والشابات السودانيات أكثر إيجابية من النساء في سن 30 عاماً فأكبر في جميع الأسئلة باستثناء مسألة مستقبل اقتصاد السودان. هن أكثر إيجابية بواقع 5+ نقاط مئوية في سؤال جودة حياتهن الحالية ووضع السودان الاقتصادي الحالي، ويبلغ الفارق عن الجيل الأكبر 9+ نقاط مئوية فيما يخص جودة حياة الأبناء. كذلك أظهر الشباب السودانيون إيجابية أكثر مقارنة بمن هم أكبر منهم سناً من الرجال. هم أكثر إيجابية بواقع 11+ نقطة مئوية إزاء حياة أطفالهم في المستقبل، والفارق يبلغ 6+ نقاط مئوية فيما يخص مستقبل البلد الاقتصادي.

ومن بين مختلف الفئات، كان الشباب في السودان – من الجنسين – هم الأكثر إيجابية مقارنة بالأجيال الأكبر، لا سيما الشابات. قد يؤشر هذا بأن الشباب – لا سيما الشابات – يمثلون فئة تشارك بقوة في الحياة الاجتماعية والسياسية في السودان، نظراً لأن الشريحة بين 15 و30 سنة تمثل 60 بالمئة من تعداد السكان في السودان. من تنظيم وإخراج المظاهرات ضد حكم البشير في 2019، إلى قيادة المظاهرات ضد الحكم العسكري في 2021، كان الشباب في صدارة المطالبين بالإصلاح وتغيير مستقبل البلد، لكن في العادة لا يتم ضمهم إلى العمليات الحكومية الرسمية. يُلاحظ أن استطلاع رأي الدورة السابعة للباروميتر العربي قد أجري بين 30 يناير/كانون الثاني و11 أبريل/نيسان 2022، قبل عام من أحداث العنف الأخيرة التي اندلعت في 15 أبريل/نيسان. من ثم فالنتائج لا تراعي التوجهات والآراء الحالية، وتحتاج لمزيد من التدقيق على ضوء النزاع الجاري ونزوح الآلاف.

إن نتائج الدورة السابعة تتحدى الأفكار القائلة بأن الشباب عبر المنطقة مختلفون في آرائهم وتوجهاتهم عن الشرائح الأكبر سناً، وتفتح المجال أمام السعي لفهم ودراسة كيف يختلفون ولأي درجة عبر مختلف الدول، مع فهم الاختلاف بين الشباب والشابات. الشابات هن الأكثر إيجابية في آرائهن حول جودة الحياة والوضع الاقتصادي، وخصوصاً في موريتانيا والسودان. وفي السودان تحديداً – في خضم النزاع ونزوح الآلاف من الناس – ثمة حاجة إلى نهج مدقق يراعي المستجدات الأخيرة، بحيث يركز على أصوات السودانيين وجهودهم في هذه المرحلة المفصلية.