المشاركة السياسية النسائية تلهم الثقة في القيادة السياسية النسائية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

لقد ازداد دعم الناس في أغلب دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لفكرة تولي النساء أدواراً سياسية قيادية زيادة كبيرة، بحسب بيانات استطلاع الباروميتر العربي. بلغ الرفض لفكرة أن الرجال أفضل – من النساء – في مناصب القيادة السياسية أعلى معدلاته في ثماني دول من بين 11 دولة شملها استطلاع الباروميتر العربي لآراء المواطنين.[1] لا يقتصر الأمر على أن هذه التغيّرات قد طرأت على آراء عموم السكان، إنما أيضاً لوحظ التغيّر داخل مختلف الشرائح العمرية. أي أن المواطنين الذين كانوا في العشرينيات والثلاثينيات والأربعينيات من العمر قبل عشر سنوات، أصبحوا الآن مع التقدم في العمر أقل إقبالاً على اعتبار أن الرجال قادة سياسيين أفضل من النساء.

كان قد سبق استطلاع الآراء حول هذه المسألة في ثماني من الدول التي استطلع فيها الباروميتر العربي الآراء في دورته السابعة، قبل عشر سنوات على الأقل، خلال الدورة الأولى والثانية.[2] يسمح لنا هذا بمقارنة قطاعات عرضية ممثلة للسكان من مختلف الشرائح العمرية لتحليل تغيّر آرائهم منذ استطلاعها أول مرة. في هذا التحليل، قسّمنا السكان إلى ثلاث شرائح عمرية. الشريحة 1 تضم المواطنين والمواطنات الذين كانوا بين 18 و29 عاماً في الاستطلاع الأول، والشريحة 2 هي للمواطنين والمواطنات الذين كانوا في شريحة 30 إلى 39 عاماً، والثالثة لمن كانوا بين 40 و49 عاماً.[3] باستثناء تداخل محدود القدر في الشريحة 1، فإن المواطنين والمواطنات المعنيون قد كبروا الآن[4] على الشريحة العمرية التي كانوا فيها في الأصل.

في الغالبية العظمى من الحالات، يغيّر مواطنو ومواطنات المنطقة آراءهم مع التقدم في العُمر. وتحديداً، فأغلب الشرائح العمرية بأغلب الدول أصبحت تنزع أكثر لرفض مقولة أن الرجال يمثلون قادة سياسيين أفضل من النساء، مع تقدم هذه الشرائح في العمر.

فلسطين حالة مثيرة للاهتمام بشكل خاص. لقد استطلع الباروميتر العربي آراء الفلسطينيين للمرة الأولى عام 2006. حينئذ، كان أفراد الشريحة العمرية 1 (18 – 29 عاماً) مقبلون أكثر من أية شريحة أخرى على تأييد مقولة أن الرجال أفضل في المناصب السياسية القيادية من النساء. في ذلك الحين، أيد 90 بالمئة من الشريحة 1 هذه المقولة، مقارنة بـ 81 بالمئة من الشريحة 2 (30 – 39 سنة) و84 بالمئة من الشريحة 3 (40 – 49 سنة). الآن، بعد 16 عاماً، شهدت الشريحة 1 أكبر تغير. في 2021 في فلسطين، أيد 63 بالمئة فقط من الشريحة العمرية 34 – 45 [5] المقولة المذكورة، أي تراجعت نسبة التأييد 27 نقطة مئوية. كما ظهر تراجع بواقع 11 نقطة مئوية في الشريحة 2، و23 نقطة مئوية في الشريحة 3.

وشهد المواطنون والمواطنات في تونس أكبر تغيّر في مختلف الشرائح من بين كافة الدول المشمولة بالاستطلاع في المنطقة. إذ أن 41 بالمئة فقط من التونسيين والتونسيات في الشريحة 2 يؤيدون حالياً مقولة أن الرجال أفضل في مناصب القيادة السياسية، مقارنة بـ 77 بالمئة منهم قبل 10 سنوات. بالمثل، فالشريحة 3 في تونس حالياً غيّرت آراءها بقوة حول قدرات القيادة السياسية النسائية؛ إذ أن 37 بالمئة فقط منهم في 2021 اعتبروا أن الرجال أفضل من النساء في مناصب القيادة السياسية، مقارنة بـ 71 بالمئة عندما كانوا أصغر بعشر سنوات، في 2011.

أصبحت تونس مؤخراً أول دولة عربية تتولى فيها سيدة منصب رئاسة الوزراء. تم تعيين رئيسة الوزراء نجلاء بودن بقرار من الرئيس قيس سعيد في سبتمبر/أيلول 2021، قبل بدء الباروميتر العربي استطلاعه لآراء التونسيين والتونسيات بقليل. التراجع المشهود في الآونة الأخيرة في آراء المواطنين في تونس بتفضيل الرجال في مناصب القيادة السياسية، بين 2018 و2021 إبان تعيين بودن، مماثل لتراجع هذا الرأي الذي سجّله الباروميتر العربي بين 2011 و2013، أثناء فترة بدء العمل بالحصص النسائية في الانتخابات التشريعية.

ولقد انتقل المصريون من كونهم الأكثر تأييداً (91 بالمئة) لفكرة أن الرجال أفضل في المناصب السياسية القيادية من النساء، من بين الدول المشمولة بالاستطلاع عام 2011، إلى كونهم خامس أكثر شعب يؤيد هذه الفكرة في 2022 (بنسبة 66 بالمئة). تعرض المصريون من جميع الشرائح العمرية لتغيّر كبير في الرأي على مر الوقت. تراجعت نسبة تأييد المقولة المذكورة 23 نقطة مئوية في الشريحة 1، و26 نقطة مئوية في الشريحة 2، و22 نقطة في الشريحة 3.

تزايدت المشاركة السياسية للنساء في مصر بقوة بين 2011 و2022. قبل الربيع العربي مباشرة، تولت نساء 1.5 بالمئة فقط من مقاعد البرلمان. ومع الانتخابات الأخيرة في مصر، أصبح للنساء 28 بالمئة من مقاعد البرلمان. كما أن الدستور المصري يخصص 25 بالمئة من مناصب المجالس المحلية للنساء وتشغل 6 سيدات حالياً مناصب وزارية. وتتزامن زيادة المشاركة النسائية الناجحة في المجال السياسي مع تراجع كبير في تأييد المصريين لفكرة أن الرجال أفضل من النساء في المناصب القيادية السياسية.

وقد نتوقع بداهة أن الشريحة الأصغر (الشريحة 1) هي التي تتمتع بأكثر العقليات مرونة. لكن الواقع أنه في المتوسط، يبدو أن الشريحة 2 (30 – 39 عاماً) هي التي شهدت أكبر التغيّرات. كما أن الاختلاف في متوسط الآراء بين الشريحتين 1 و3 يكاد يكون معدوماً. هذا في حقيقة الأمر يتفق مع بحوث علم نفس توصلت لأن الناس يصبحون أكثر انفتاحاً على الآراء الجديدة مع التقدّم في العمر.

لدى تقسيم الشرائح العمرية بحسب النوع الاجتماعي، نرى أن الرجال والنساء تعرضوا لنفس مستويات التغيّر في الآراء. تميل النساء أكثر قليلاً للتعرض لتغيّر أكبر في الرأي، لكن ليس دائماً. على سبيل المثال، فالرجال في لبنان هم من تغيرت آراؤهم أكثر من النساء. قد يُعزى هذا إلى سببين.

أولاً، رغم أن المواطن اللبناني في العموم لديه أكثر التصورات إيجابية نحو المساواة بين الجنسين عبر المنطقة، فالنساء في كل الدول يملن أكثر إلى الاختلاف مع مقولة أن الرجال أفضل في مناصب القيادة السياسية من النساء. وليس لبنان بالاستثناء على هذه القاعدة. ثانياً، رغم أن التغيّر في آراء الرجال اللبنانيين أكبر من مثيله بين النساء، باستثناء الشريحة 1، فالتغيّر ليس بالكبير. حتى رغم أن تأييد المقولة في الشريحة 1 تراجع 4 نقاط مئوية فقط بالنسبة للنساء اللبنانيات، مقارنة بـ 21 نقطة مئوية تراجع بالنسبة للرجال، فالنساء في الشريحة 1 ما زلن أقل إقبالاً بواقع 10 نقاط مئوية من الرجال في نفس الشريحة على تأييد فكرة أن الرجال أفضل في المناصب السياسية القيادية من النساء. في المجمل، تغيّرت آراء الرجال والنساء في لبنان بالتوازي.

وأخيراً، فإن الجزائر تستحق التركيز عليها، فهي الدولة الوحيدة التي يميل فيها عموم السكان إلى تأييد مقولة أن الرجال أفضل في المناصب السياسية القيادية من النساء أكثر مما كانوا يؤيدون هذه المقولة في أول استطلاع. يسري هذا على النساء والرجال في الجزائر على السواء. فالنساء في الشريحة 1 بالجزائر هن الفئة الوحيدة التي لم يتغير رأيها. تؤيد جميع الشرائح الأخرى من الرجال والنساء في الجزائر هذه المقولة بقدر أكبر ولو قليلاً في عام 2022 مقارنة بعام 2006.

ومثل الوضع في دول المنطقة الأخرى، قدّمت الجزائر الحصص النسائية في الانتخابات الوطنية عام 2011. زادت تلك الحصة من المقاعد التي شغلتها نساء في البرلمان الوطني من 8 بالمئة في 2011 – قبل قرار تخصيص مقاعد للنساء – إلى 32 بالمئة بعد انتخابات 2012. هذه الزيادة الكبيرة في التمثيل السياسي للمرأة التي لم تقترن بزيادة في الدعم لحقوق المرأة في التعليم وقوة العمل أو البيت، أدت إلى انتكاسة كبيرة. فالخطاب الوطني اعتبر البرلمانيات غير مؤهلات وتم إسقاط قانون الحصة النسائية. بعد انتخابات 2021، تراجعت نسبة المقاعد التي شغلتها نساء من 26 بالمئة إلى 8 بالمئة، وهي نفس النسبة قبل 2011. يبدو أن هذا الإخفاق في سياسات الحصص النسائية قد دعّم تصورات الجزائريين والجزائريات حول الفجوة في القدرات السياسية بحسب النوع الاجتماعي.

على أن المشهد العام لفترة الـ 16 سنة الماضية يخفي وراءه توجهات أحدث للرأي العام الجزائري. رغم أن الرجال في الجزائر على ما يبدو قد فقدوا الثقة في القدرات القيادية السياسية للنساء، فالأمر نفسه لا يمكن أن يُقال عن آراء النساء الجزائريات. فالتنديد بالبرلمانيات اللاتي افتقرن لأية خبرات سابقة أدى إلى زيادة في التوافق على أن الرجال أفضل في مناصب القيادة السياسية عام 2016. لكن النساء الجزائريات بدأن في الإيمان أكثر وأكثر بقدرات القيادة السياسية للمرأة؛ إذ تراجع تأييد النساء الجزائريات للمقولة المذكورة 10 نقاط مئوية في آخر ست سنوات.

ويُعد التمثيل عنصراً رئيسياً في تزايد ثقة المواطنين في القيادة السياسية النسائية، لكنه ليس كل شيء. في الدول التي سُمح فيها للنساء بشكل حقيقي بالمشاركة إبان انتخابهنّ، راجع الرجال والنساء عبر مختلف الأجيال تحيزاتهم المسبقة. وهنا تعد الجزائر بمثابة قصة تحذيرية: رغم السماح للنساء بالمشاركة فإن عدم توفر الدعم قد منع النساء من إظهار قدراتهن الحقيقية بشكل فعال.

إجمالاً، فإن بيانات توجهات الرأي العام المتعلقة بآراء مواطني ومواطنات المنطقة حول المساواة بين الجنسين في السياسة هي توجهات إيجابية. مع استمرار النساء عبر المنطقة في اختراق المجال السياسي، نتوقع أن تستمر القيادة السياسية النسائية في النمو.


[1]  هذه الدول هي: مصر والعراق والأردن ولبنان وليبيا وفلسطين والسودان وتونس.

[2]  المغرب، الدولة التاسعة، تم استطلاع آراء الناس فيه أيضاً أثناء الدورتين الأولى والثانية للباروميتر العربي، لكن البيانات التي تم جمعها حينئذ حول أعمار المبحوثين ليست كافية لضم المغرب إلى التحليل.

[3]  لا يوجد ما يكفي من المواطنات والمواطنين فوق 60 عاماً في أغلب الدول بالقدر الكافي لقياس الرأي بشكل موثوق (يمثل هذه الشريحة على مستوى الدولة) بالرجوع إلى الشريحة العمرية فوق 50 عاماً من الاستطلاع الأول.

[4]  الآن بمعنى وقت إجراء الدورة السابعة من الباروميتر العربي.

[5]  هذه الشريحة هي الشريحة 18 – 29 عاماً بعد مرور 16 عاماً.