أزمة تونس المزمنة في الحكم

تونس، التي يُشار إليها غالبًا على أنها قصة النجاح الديمقراطي الوحيدة التي انبثقت عن الربيع العربي، شهدت ما يسميه البعض انقلابًا في أعقاب قرار الرئيس قيس سعيد إقالة رئيس الوزراء هشام المشيشي وتعليق عمل البرلمان. ويقول آخرون إن الرئيس تصرف بشكل قانوني بموجب المادة 80 من الدستور التونسي، مما تسبب في أزمة دستورية كبيرة. عارض راشد الغنوشي، رئيس البرلمان وزعيم حزب النهضة، أكبر حزب في البرلمان، هذه التحركات بشدة، وحتى كتابة هذه السطور، يقود احتجاجًا خارج البرلمان المغلق.

على الرغم من أن البعض قد صور هذه الأحداث على أنها صراع على السلطة بين التيارات الأيديولوجية المتنافسة، إلا أن نتائج الباروميتر العربي تقول عكس ذلك. حيث أن الاستياء من فشل الحكومة في معالجة التحديات الاقتصادية، وإدارة جائحة كورونا بشكل فعال، وتقديم خدمات اجتماعية عالية الجودة، والقضاء على الفساد هي الأسباب الأعمق وراء الأزمة الحالية في تونس. هذه المشاكل مجتمعة، تساعد على تفسير المستويات المنخفضة للغاية من الثقة في الحكومة، والتي على الرغم من انتخابها في انتخابات حرة، إلا أنها تحظى بتأييد شعبي محدود، مما خلق الظروف التي أدت إلى حدوث هذه الأزمة.

توضح استطلاعات الرأي العام الممثلة على المستوى الوطني من الباروميتر العربي أن تقييمات الظروف الاقتصادية في تونس سيئة للغاية، وهي مستمرة في الهبوط منذ ثورة 2011. في الاستطلاعات الثلاثة التي أجريت في تونس كجزء من الدورة السادسة للباروميتر العربي من تموز/يوليو 2020 حتى آذار/ مارس 2021، قال واحد من كل عشرة أو أقل إن الظروف الاقتصادية إيجابية، بما في ذلك ستة في المائة فقط في مارس 2021. التحديات الاقتصادية أيضا ملموسة على المستوى الشخصي، حيث قال ثلثا التونسيين إنهم يخشون فقدان مصدر دخلهم الرئيسي في غضون الاثني عشر شهرًا القادمة، مما يعني أن معظمهم يعيشون في ظروف محفوفة بالمخاطر. وينطبق هذا بشكل خاص على أولئك الذين كانوا يعانون من قبل، حيث عبر ما يقرب من ثلاثة أرباع (73 بالمائة) أولئك الذين لا يلبي دخلهم احتياجاتهم الأساسية عن قلقهم بشأن هذه الاحتمالية مقارنة بنصف (51 بالمائة) أولئك الذين هم أفضل حالًا.

كما تتضح الدلائل على التحديات الاقتصادية من خلال أنماط الإنفاق لدى التونسيين. قال حوالي ربع التونسيين (27 في المائة) خلال الشهر الماضي إنهم قلقون من أن مخزونهم من الطعام سينفد قبل أن يتمكنوا من تدبر الموارد المادية لاقتناء المزيد، بينما تقول نسبة مماثلة (25 في المائة) أن طعامهم نفد بالفعل في الشهر الماضي. في الوقت نفسه، قال أربعة من كل عشرة (41 في المائة) إنهم اضطروا إلى الاعتماد على أطعمة أرخص وأقل استحبابا في الأسبوع الماضي لمحاولة تغطية نفقاتهم. أفاد 22 بالمائة أنهم بحاجة إلى دعم مالي للحصول على الطعام خلال نفس الفترة.

نظرًا للطبيعة الهائلة للمخاوف بشأن الاقتصاد، كان القلق بشأن جائحة كورونا محدودًا نسبيًا عندما بدأ الباروميتر العربي في إجراء دورته السادسة. في يوليو 2020، قبل أن تضرب الموجة الأولى من العدوى البلاد، قال 59 في المائة من التونسيين إنهم قلقون من انتشار فيروس كورونا. بحلول أكتوبر من نفس العام، خلال ذروة الموجة الأولى من الوباء، كان التونسيون أكثر خوفا من انتشار الفيروس (79 بالمائة)، على الرغم من أن هذا المعدل انخفض بشكل كبير بحلول مارس من هذه السنة بعد نهاية الموجة الثانية (56 بالمائة). كخلاصة، يبدو أن خوف التونسيين من كورونا مرتبط بشكل مباشر بالقدر الذي ينتشر فيه الوباء في بلدهم. مع انطلاق موجة أخرى من الوباء في تونس خلال الأشهر الماضية، من المؤكد أن القلق بشأن فيروس كورونا ازداد مرة أخرى.

مع ذلك، على الرغم من التحديات التي يمثلها فيروس كورونا، لم يعتبره التونسيون التحدي الأكبر الذي تواجهه البلاد خلال العام الماضي وباستمرار. في مارس 2021، قال عدد قليل نسبيًا من التونسيين إن الفيروس يمثل التحدي الأكبر للبلاد. 16 في المائة فقط أشاروا إلى كورونا مقارنة بالنصف (51 في المائة) الذين قالوا الوضع الاقتصادي هو أكبر تحد تواجهه البلاد. يمثل هذا تغييراً ملحوظاً منذ أكتوبر 2020، خلال ذروة الموجة الأولى من الإصابات، عندما وصف أربعة من كل عشرة تونسيين وباء كورونا والاقتصاد على أنهما التحديان الأكبر، على التوالي. مع ارتفاع معدلات الإصابة بالفيروس في الأشهر الأخيرة، التقت المخاوف المزدوجة المتعلقة بكورونا والظروف الاقتصادية لتشكل ضغطًا أكبر على المواطنين العاديين أكثر من أي وقت مضى منذ عام 2011.

كما كان متوقعا، وجد الباروميتر العربي أن فيروس كورونا قد أدى إلى تفاقم المشاكل الاقتصادية بشكل كبير. يقول ثلث التونسيين (34 في المائة) إن التحدي الأكبر الذي تسبب فيه فيروس كورونا هو ازدياد كلفة المعيشة، وهو مصدر قلق خاص للمواطنين الذين لا يغطي دخلهم نفقاتهم (37 في المائة) مقارنة بمن هم في وضع أفضل (30 في المائة). كما يدرك التونسيون تمامًا الآثار المتفاوتة للفيروس على المجموعات الأقل ثراءً. يقول الثلثان (66 في المائة) إن التأثير كان أكبر على المواطنين الأفقر من أولئك الذين هم أفضل حالًا، بينما يوافق النصف (52 في المائة) على أن التأثير كان أكبر على المهاجرين مقارنة بالآخرين في البلاد.

كما انخفض الرضا عن نظام الرعاية الصحية في تونس أثناء تفشي الوباء. في صيف 2020، قال حوالي أربعة من كل عشرة مواطنين إنهم راضون أو راضون تمامًا عن الرعاية الصحية. مع استمرار انتشار الوباء خلال الموجة الأولى، انخفض الرضا عن نظام الرعاية الصحية بمعدل 12 نقطة إلى 26 في المائة في أكتوبر 2020، لكنه ارتفع قليلاً إلى 32 في المائة بحلول مارس 2021. تتوافق هذه المستويات مع مستويات القلق بشأن الفيروس، مما يشير إلى وجود صلة واضحة بين تقييمات نظام الرعاية الصحية والقدرة على تدبير الوباء.

كما تراجعت آراء المواطنين حول نظام التعليم خلال العام الماضي. على الرغم من أن الرضا كان منخفضًا نسبيًا في البداية – فقط ثلاثة من كل عشرة تونسيين (31 بالمائة) كانوا راضين في يوليو 2020 – انخفضت معدلات الرضا طوال فترة الوباء. في أكتوبر 2020، كان لدى 25 في المائة في تونس نظرة إيجابية مقارنة بـ 23 في المائة في مارس 2021. كما هو الحال في العديد من البلدان، كان لضغوط تعليم الأطفال أثناء الوباء آثار مهمة على آراء المواطنين تجاه النظام التعليمي. في الواقع، يبدو أن COVID لم يضخم التحديات الاقتصادية فحسب، بل سلط الضوء أيضًا على أوجه القصور في الخدمات الحكومية في المجالات المهمة مثل الصحة والتعليم.

ومع ذلك، لا يزال الفساد هو القضية الأكبر التي تؤثر على الآراء حول الحكومة. يقول تسعة من كل عشرة (89 في المائة) من التونسيين إن الفساد منتشر إلى حد كبير أو متوسط ​​، وهو ما يعادل أعلى نسبة في أي بلد شمله الاستطلاع في الموجة السادسة للباروميتر العربي. في غضون ذلك، يعتقد الثلث فقط (34٪) أن الحكومة تعمل على معالجة هذه الآفة إلى حد كبير أو متوسط. أدى هذا الفشل الملحوظ في معالجة ما يُنظر إليه على أنه فساد مستشري إلى إثارة التساؤلات حول شرعية الحكومة المقالة، ويفسر جزئيًا الاحتفالات العامة بإجراءات الرئيس التي شوهدت في الشوارع التونسية في 25 يوليو.

تسلط هذه المشاكل الضوء على الإخفاقات المستمرة للحكم في تونس. على الرغم من الإشارة إليها في كثير من الأحيان على أنها قصة النجاح الديمقراطي لما يسمى بالربيع العربي، إلا أن ثقة التونسيين في الحكومة كانت من بين أدنى المستويات في المنطقة العربية في السنوات الأخيرة. لم يتغير هذا المستوى من الثقة إلى حد كبير طوال فترة الوباء، فقد ظل منخفضًا للغاية: 17 في المائة في يوليو 2020، و19 في المائة في أكتوبر 2020، و15 في المائة في مارس 2021. لن تعالج الإجراءات الرئاسية هذه التحديات بصورة آنية. سيستمر التونسيون في المطالبة بنتائج أفضل من نظامهم السياسي، الذي فشل في تقديم حلول مجدية لتحسين حياة المواطنين على مدى العقد الماضي.