التنافس الأمريكي الصيني يمتد إلى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

هناك حالة تنافس جديدة بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين طفت إلى الساحة العالمية، ولقد امتدت إلى الشرق الأوسط. تعمد الصين إلى توسيع دورها في المنطقة، فتقدم الدعم للحكومات على مسار الإغاثة من جائحة كوفيد-19، بناء على سنوات من اتساع دورها ومشاركتها في المنطقة عبر “مبادرة الحزام والطريق” الصينية. ومع تغيير إدارة ترامب قواعد التدخل الأمريكي سعياً لسحب القوات من المنطقة مع بناء العلاقات بين إسرائيل والدول العربية، أجرى الباروميتر العربي استطلاعات ممثلة للمستوى الوطني في ست دول، هي الجزائر والأردن ولبنان وليبيا والمغرب وتونس، لقياس توجهات وآراء المواطنين العاديين نحو هاتين القوتين العالميتين.

يتضح من نتائج الاستطلاع أن الرأي العام العربي يميل إلى الصين. إذ يفضل الصين النصف أو أكثر في 3 دول – الجزائر (60 بالمئة)، المغرب (52 بالمئة)، تونس (50 بالمئة) – وتصل النسبة إلى الثلث أو أكثر في كل من لبنان (43 بالمئة) والأردن (35 بالمئة) وليبيا (34 بالمئة). بالمقارنة، فإن أقل من الثلث يفضلون الولايات المتحدة الأمريكية في الدول الست جميعاً، وتتراوح النسبة من 28 بالمئة في المغرب إلى 14 بالمئة في ليبيا.تبنت كل من الدولتين مقاربة مختلفة في التعامل مع المنطقة. فالنهج الصيني يفضل التركيز على القضايا الاقتصادية أكثر، فيما يعد النهج الأمريكي سياسي النزعة بامتياز. على ذلك، ورغم تحسين العلاقات الاقتصادية الصينية بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا، يقول عدد قليل من المواطنين العرب إن الصين تمثل تهديداً اقتصادياً كبيراً. اللبنانيون هم الأكثر إقبالاً على اعتبار التدخل الاقتصادي الصيني بمثابة تهديد بالغ (26 بالمئة) ويليهم التونسيون (21 بالمئة). في الوقت نفسه، فإن 13 بالمئة فحسب من الجزائريين يعتبرون التدخل الاقتصادي الصيني مهدداً لبلدهم. بالمقارنة، يشعر العرب بقلق بالغ إزاء القوة الاقتصادية الأمريكية، بصفتها تهديد كبير لبلادهم، إذ تبلغ النسبة 47 بالمئة في لبنان و43 بالمئة في تونس و31 بالمئة في الجزائر. في المغرب فقط أعرب المواطنون عن مستوى متماثل من القلق إزاء كل من القوة الاقتصادية الأمريكية والصينية.
ورغم المخاوف إزاء القوة الاقتصادية الأمريكية، فإن الكثير من المواطنين لديهم آراء إيجابية نحو المساعدات الخارجية الأمريكية، إذ قالوا إنها مفيدة لفئات رئيسية من السكان. رداً على سؤال إن كانت المساعدات الأمريكية تقوي المجتمع المدني، أجاب بالإيجاب النصف في لبنان و46 بالمئة في تونس و41 بالمئة في المغرب و40 بالمئة في الأردن. وتقول نسب مماثلة الأمر نفسه عن المساعدات الأمريكية فيما يخص حقوق المرأة. وفي لبنان يقول 48 بالمئة إن المساعدات الأمريكية حققت هذا الهدف، وبلغت النسبة 45 بالمئة في تونس و43 بالمئة في الأردن و38 بالمئة في المغرب. لكن الجزائريون والليبيون أكثر ريبة إلى حد ما في دوافع المساعدات الأمريكية في المجالين المذكورين.

تقدم الاستطلاعات أدلة تُفسر الاختلافات في التوجهات إزاء الصين والولايات المتحدة الأمريكية، حيث قد يكون مبعثها إلى حد بعيد هو الآراء إزاء قادة البلدين وسياساتهم الخارجية. لدى السؤال إن كانت السياسة الخارجية للرئيس الصيني شي جين بينغ إيجابية بالنسبة إلى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، قال الكثيرون أجل، بما يشمل 42 بالمئة في الجزائر، و39 بالمئة في المغرب، و34 بالمئة في لبنان و30 بالمئة في تونس. وفي الوقت نفسه، كان الدعم أقل إلى حد ما في ليبيا (22 بالمئة) والأردن (21 بالمئة).

لكن في جميع الحالات، يتبين أن هذا الدعم أعلى من مستوى دعم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. فالآراء الإيجابية في سياسته الخارجية بلغت أعلى نسبة في لبنان، بواقع 18 بالمئة، ثم المغرب (15 بالمئة). على أن هناك 7 بالمئة فقط يفضلون سياسته الخارجية في الأردن، وتبلغ النسبة 6 بالمئة في تونس. يُلاحظ أن المواطن العربي يعرف أكثر عن السياسة الخارجية لترامب، حيث يقول 12 بالمئة أو أقل أنهم لا يعرفون إن كانت سياسته الخارجية جيدة للمنطقة، في جميع الدول باستثناء الأردن. بالمقارنة، فإن 16 بالمئة يقولون إنهم لا يعرفون عن سياسة شي جين بينغ الخارجية، وهذا في جميع الدول المشمولة بالاستطلاع، وتبلغ النسبة 39 بالمئة في الأردن.يُرجح أن تكون الآراء حول سياسات ترامب الخارجية مدفوعة إلى حد بعيد بتوقيع اتفاقات التطبيع بين إسرائيل وعدد من الدول الأخرى، بما يشمل الإمارات والبحرين والسودان، قبل إجراء الاستطلاعات الميدانية بقليل في أكتوبر/تشرين الأول 2020. كما ذكرنا سلفاً، فإن هذه الاتفاقات غير مدعومة من المواطنين العاديين في المنطقة. فأقل من عُشر المواطنين لديهم آراء إيجابية في اتفاقات أبراهام في جميع الدول المشمولة بالاستطلاع، باستثناء لبنان حيث تبلغ النسبة 20 بالمئة.
ربما لهذا السبب أصبح المواطنون عبر المنطقة أكثر دعماً بكثير للرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن، مقارنة بترامب. فعند سؤالهم في الأسابيع السابقة على الانتخابات الأمريكية عن أي من المرشحين الرئاسيين سياسته أفضل للمنطقة، تبين أن الدعم لبايدن أعلى بواقع 4 أمثال دعم ترامب. يفضل التونسيون بايدن بهامش 40 نقطة مئوية (52 بالمئة مقابل 12 بالمئة)، بينما تبلغ الفجوة 36 بالمئة في الجزائر (43 بالمئة لبايدن مقابل 7 بالمئة لترامب)، و30 نقطة في المغرب (39 بالمئة مقابل 9 بالمئة) و28 نقطة في ليبيا (38 بالمئة مقابل 10 بالمئة) و24 نقطة في الأردن (29 بالمئة مقابل 5 بالمئة). في لبنان فقط تبين أن للمرشحين الاثنين نصيباً متساوياً من التفضيل، حيث حصد ترامب 17 بالمئة وبايدن 16 بالمئة، لكن في هذه الحالة تحديداً قالت نسبة كبيرة للغاية (42 بالمئة) إن المرشحين الاثنين سيئين بنفس الدرجة.
رغم أن الآراء نحو الولايات المتحدة الأمريكية لا يُرجح أن تتحسن كثيراً مع انتخاب بايدن، يظهر من هذه النتائج أنه أثناء رئاسة بايدن، من المرجح أن تتمتع الولايات المتحدة الأمريكية بنسبة دعم أعلى لدى المواطنين العرب، مقارنة بالوضع في عهد ترامب. لكن دون حدوث تغير كبير في السياسة الأمريكية إزاء النزاع الإسرائيلي-الفلسطيني أو نحو المنطقة ككل، بشكل يراه الرأي العام العربي مفيداً، فمن غير المرجح أن يؤدي انتخاب بايدن إلى تغير كبير في الآراء إزاء الولايات المتحدة الأمريكية، نظراً للتوجهات القائمة منذ فترة طويلة فيما يخص هذا الملف ضمن بيانات الباروميتر العربي، منذ عام 2006.