تقييم العرب لتعامل حكوماتهم مع جائحة كوفيد-19

ضربت جائحة كوفيد-19 الحكومات العربية في وقت صعب كانت تعاني فيه هذه الحكومات بالفعل من ضغوط كبيرة. الكثير من التحديات، كالأزمات الاقتصادية والنزاعات المسلحة في بعض الدول، مثل ليبيا وسوريا، ألقت بظلالها على دول أخرى ولا تزال تبعاتها مستمرة إلى يومنا هذا. ولقد أدى إخفاق الحكومات في التصدي لهذه التحديات على مدار السنوات إلى هزّ ثقة الرأي العام في الحُكام. يظهر من استطلاعات الجزء الأول من الدورة السادسة للباروميتر العربي – التي أُجريت عبر الهاتف في بعض الدول خلال الفترة من أواخر يوليو/تموز إلى مطلع أكتوبر/تشرين الأول 2020 – أن مستويات الثقة في الحكومة تتباين كثيراً، إذ تصل إلى 63 بالمئة في الأردن، في حين لا تزيد عن 6 بالمئة في لبنان.

تمثل جائحة كوفيد-19 تحدياً جديداً، أكثر تعقيداً، يواجه النظم الاقتصادية والصحية في الدول العربية. من ناحية، فإن قلة من المواطنين العرب يتوقعون تعاملا حكوميا قويا، لا سيما نظراً للضعف النسبي في النظم الصحية لديهم مقارنة ببعض الدول المتقدمة التي فشلت أنظمتها الصحية في استيعاب جائحة كوفيد. لكن رغم هذه التحديات، يظهر من استطلاعات الباروميتر العربي 2020 وجود تباين عبر المنطقة فيما يخص مستوى الرضا عن منظومات الرعاية الصحية. في الأردن، يقول 3 من كل 4 أشخاص إنهم يشعرون بالرضا عن مستوى الرعاية الصحية، كما أعربت الأغلبية في المغرب عن رضاها (58 بالمئة). في دول أخرى، يقول المثل أقل من النصف، بما في ذلك 47 بالمئة في الجزائر. وفي الوقت نفسه، فإن مستويات الرضا منخفضة في تونس، حيث تبلغ النسبة 38 بالمئة، وهي أقل في لبنان، إذ أعرب 13 بالمئة فقط عن رضاهم. بالمثل، فإن هذه التصنيفات تعكس – على الأقل جزئياً – تفاوت مستوى التوقعات عبر المنطقة، ما يعني أن مواطني هذه الدول لا يستخدمون بالضرورة نفس المعايير لتقييم النظام الصحي.

من ناحية أخرى، أجبرت جائحة كوفيد-19 الحكومات على  اتخاذ تدابير صارمة، كما سنحت لهذه الحكومات فرصة ثمينة كي تستعيد ثقة الرأي العام بها. مع بداية انتشار كوفيد-19 في ربيع 2020، اتخذت عدة حكومات عربية حزمة من القرارات المهمة للحد من انتشار العدوى. فبعد أيام من تأكد أول حالة في 3 مارس/آذار، أغلق الأردن حدوده أمام الدول التي ظهرت فيها الجائحة، وعزل المحافظات الأردنية عن بعضها البعض. وخلال أسابيع، أغلقت الحكومة حدودها بالكامل، وفرضت حظر تجوال على مستوى المملكة، وطالبت مواطنيها باتباع إجراءات التباعد الاجتماعي. دعت الحكومة وسائل الإعلام والقيادات المجتمعية لمساعدتها في توعية المواطنين بمخاطر الفيروس. وبالمثل، فعّل المغرب حالة الطوارئ في العشرين من مارس/آذار، وقت أن كانت هناك أقل من 80 حالة. علقت الحكومة جميع رحلات الطيران الدولية والداخلية وفرضت حظراً على التجمعات العامة.

حتى في الدول التي تمر بمراحل انتقالية، مثل تونس والجزائر حيث تم انتخاب حكومات جديدة قبيل ظهور الجائحة بقليل، تعاملت الحكومة بنهج مشابه. ما إن تم توثيق أولى الحالات، أغلقت الحكومة التونسية الحدود وأمرت بحظر تجوال جزئي، وأغلقت الأماكن العامة، بما في ذلك المساجد والمدارس. حشدت الحكومة قوات الجيش والشرطة لضمان الالتزام بالإجراءات. وفي الجزائر أغلقت الحكومة جميع نقاط الدخول إلى الدولة في منتصف مارس/آذار وقيدت من حركة السفر الداخلية. كما تم فرض حظر تجوال وتعليمات بتغطية الوجه في الأماكن العامة، مع فرض غرامات على من يخالفون الإجراءات المذكورة.

لكن بعض الدول الأخرى كانت أقل حظاً. لبنان من أولى الدول التي تعاملت مع حالات كوفيد-19 في المنطقة. رغم إصدار الحكومة أوامر بحظر التجوال وتعليق الطيران الدولي، فإن ضعف الدولة أجبرها على الاعتماد  بالأساس على وعي المواطنين في إنفاذ الإجراءات لاحتواء انتشار الفيروس، بدلاً من اللجوء إلى تدابير حكومية. كما أدى انفجار مرفأ بيروت في أغسطس/آب إلى تدهور الوضع في لبنان إذ فقد الآلاف بيوتهم، ما اضطرهم إلى البحث عن أماكن جديدة للإقامة، وهو الأمر الذي عقّد من عملية احتواء انتشار الفيروس.

بيد أن جهود الحكومات العربية لمكافحة واحتواء انتشار الجائحة قد لاقت – على ما يبدو –استحساناً من المواطنين. لدى سؤال المواطنين عن أسباب قلقهم إزاء كوفيد-19، قالت قلة منهم إن السبب هو عدم كفاية رد الفعل الحكومي، بصفته العامل الأكثر إثارة للقلق فيما يخص الفيروس. وتبين أن العوامل التي تقلق المواطنين أكثر من تعامل الحكومة مع الجائحة هي عدم فعالية منظومة الرعاية الصحية، وعدم اتباع المواطنين الآخرين للتوصيات والتعليمات.

إن التدابير الصارمة التي اتخذتها بعض الحكومات أسهمت في نجاحها الجزئي في الحد من أعداد الإصابات والوفيات. بحلول الأسبوع الأول من أكتوبر/تشرين الأول، سجل الأردن نسبة وفيات منخفضة للغاية تبلغ 0.8 بالمئة من الإصابات المؤكدة، في حين كانت النسبة 1.7 بالمئة في المغرب و1.5 بالمئة في تونس. سجّل الجزائر نسبة أعلى بلغت 3.4 بالمئة. ورغم أن النسبة في لبنان بلغت 0.8 بالمئة، فإنها كانت موضع شك بسبب صعوبة إجراء الاختبارات وتعقب الحالات المصابة في لبنان، خصوصا عقب الانفجار. بالنسبة لدول شمال أفريقيا، تعد المعدلات منخفضة لدى مقارنتها بدول البحر المتوسط الأخرى، مثل فرنسا (4.1 بالمئة) وإسبانيا (3.7 بالمئة). وكانت النسبة في الأردن أيضاً منخفضة مقارنة بدول شرق أوسطية أخرى مثل تركيا (2.6 بالمئة) ومصر (5.8 بالمئة).

وربما نتيجة لهذا، يُظهر الجزء الأول من استطلاع الدورة السادسة من الباروميتر العربي أن آراء المواطنين في أداء الحكومات في التعامل مع الجائحة كانت إيجابية بشكل عام. إذ أن ثلاثة أرباع المغاربة و74 بالمئة من الأردنيين يقولون إنهم راضون جداً أو راضون عن أداء حكومتهم في التعامل مع الجائحة. ورغم أن النسبة في الجزائر (65 بالمئة) وتونس (58 بالمئة) أقل بقليل، فقد كانت كبيرة بما يكفي لإظهار اعتراف الرأي العام بجهود الحكومة في مكافحة كوفيد-19. وفي الوقت نفسه، فإن 38 بالمئة فقط من المبحوثين ذكروا أن الحكومة تعاملت بشكل إيجابي في لبنان.

لكن من المهم ملاحظة أن هذه الدول – مثلما كان الحال على مستوى العالم – شهدت ارتفاعات كبيرة في معدل الإصابات بكوفيد-19 من بعد أغسطس/آب. نظراً للتطورات الأخيرة، فمن المرجح أن تتغير الآراء الإيجابية في الأداء الحكومي في التعامل مع الجائحة.