يسر الباروميتر العربي إعلان إصداره أول استطلاع رأي يشمل جميع أنحاء سوريا منذ سقوط بشار الأسد (أُجري في الفترة 29 أكتوبر/تشرين الأول – 17 نوفمبر/تشرين الثاني، عينة: 1,229 نسمة)، وقد نُشر في مجلة “فورين أفيرز“. يقدم الاستطلاع رؤى وتصورات غير مسبوقة قائمة على البيانات، حول الرأي العام إزاء الإدارة الحكومية والاقتصاد والأمن والانتقال العادل والعلاقات الخارجية، ومن ثم فالاستطلاع يقدم سياقًا مهمًا لفهم التطورات المتسارعة للمشهد السياسي السوري والتداعيات الإقليمية ذات الصلة.
القضايا الرئيسية والنتائج الأساسية:
تفاؤل من بين الأطلال: السوريون يختبرون حكومة جديدة
نحن بصدد سردية للصمود والأمل الهشّ؛ فبعد سنة من سقوط الأسد ما زال السوريون متفاؤلون – بقدر مدهش – رغم الضغوط الاقتصادية الشديدة واستمرار هشاشة الوضع الأمني. ويرجع جزء كبير من هذا التفاؤل إلى مقارنتهم للوضع الراهن بالحالة قبل 2024. لكن فترة “شهر العسل” هذه قد تكون مؤقتة، مع تحوّل التوقعات نحو الانشغال بتقييم أداء السلطات الجديدة.
- الثقة عالية في مُختلف المؤسسات: تبلغ معدلات ثقة الرأي العام 81% في الرئيس، و71% في الحكومة الوطنية، و71% في الجيش، و84% في قوات الأمن، و62% في المحاكم.
- الرأي العام يرى أن الحريات مضمونة: حرية التعبير 73% والصحافة 73%، لكن نسبة أقل ترى أن حرية التظاهر مضمونة، بواقع 65% فقط.
- ثقة عالية في استجابة الحكومة: يرى 76% أن الحكومة تستجيب لاحتياجات المواطنين، وترى نسبة مماثلة (76%) أن أداء الحكومة في المُجمل جيد.
- تفاؤل كبير حول المستقبل: رغم قول 50% إن حياتهم أسوأ من حياة جيل آبائهم، فإن 76% يتوقعون أن تكون حياة جيل الأبناء أفضل، ويرى 76% أن سياسات الرئيس الشرع أفضل من سياسات الأسد.
- تراجع كبير في المعاناة من المصاعب الشخصية: أفاد 78% بالتعرض لتحديات شخصية كبيرة في الفترة 2011-2024 (النزوح، فقدان ممتلكات، اضطراب سبل المعاش أو التعليم، وفيات في الأسرة، ترهيب سياسي) في حين بلغت النسبة 14% فحسب للفترة من بعد 2024.
اقتصاد يعاني من الضغوط: تحديات ضاغطة في سوريا ما بعد الانتقال
تستمر ظواهر مثل تفشي الفقر وانعدام الأمن الغذائي وفشل الخدمات العامة في تشكيل الحياة اليومية في سوريا، ما يسلط الضوء على نطاق التحدي الاقتصادي الذي يواجه القيادة السورية الجديدة.
- المصاعب الاقتصادية تهيمن على الحياة اليومية: قام 17% فقط من المبحوثين بتصنيف الوضع الاقتصادي باعتباره إيجابيًا، وأكبر بواعث القلق هي التضخم (31%) وندرة فرص العمل (24%) والفقر (23%).
- الدخل لا يلبي الاحتياجات: قال 86% إن دخل الأسرة لا يغطي النفقات، وذكر 56% أن تلبية الاحتياجات الأساسية هو التحدي الأساسي الذي يواجههم.
- انعدام الأمن الغذائي ظاهرة متفشية: قال نصف السوريين تقريبًا و73% من النازحين داخليًا إن على مدار الشهر المنقضي، كان طعامهم ينفذ كثيرًا أو أحيانًا قبل أن تتوفر لهم النقود لشراء المزيد، وقال 79% إن السبب هو عدم توفر النقود وقال 82% إن السبب هو ارتفاع الأسعار.
- ارتفاع معدلات عدم الرضا عن أداء السلطات المتولية للمسؤولية على الأرض في ملفات تهيئة فرص العمل (77%) والأجور (58%) واللامساواة الاجتماعية-الاقتصادية (68%).
- استمرار انخفاض مستوى الرضا عن البنية التحتية: جمع القمامة والمخلفات (46%)، توفر الإنترنت (43%)، الكهرباء (41%)، الرعاية الصحية (36%)، الإسكان مقبول الثمن (35%)، مرافق المياه (32%).
المطامح الديمقراطية: اختبار الإدارة الحكومية في أوقات صعبة
يدعم السوريون الديمقراطية دعمًا كبيرًا، لكنهم في الوقت نفسه يشددون على ما يرونه من أوجه قصور تتصل بتوفير الأمن، ونزاهة العملية السياسية، والإدارة الحكومية الأكثر مراعاة للجميع.
- الاعتبارات الأمنية: يعتبر الرأي العام أن تحقيق السلطات لاحتكار استعمال القوة هو ثاني أكبر تحدٍ في سوريا بعد الاقتصاد. يرغب 74% في جمع السلاح من الفصائل المسلحة، وتبلغ النسبة 78% بالنسبة لجمع السلاح من الأفراد غير المصرح لهم بحمله، ويرى 68% أن ظاهرة الاختطاف تمثل تهديدًا كبيرًا.
- توفر الأمان محليًا وارتفاع معدلات الرضا عن الإدارة الحكومية لهذا الملف: أفاد جميع السوريين تقريبًا (94%) بإحساسهم بالأمان في أحيائهم السكنية، وأبدى 85% الرضا عن مستوى جهود السلطات المحلية في حفظ النظام.
- تفضيل الديمقراطية: ما زالت الأغلبية ترى أن سوريا أقرب إلى النظام غير الديمقراطي منها إلى الديمقراطية، لكن يؤكد الرأي العام السوري أيضًا على أن الديمقراطية نظام مناسب لسوريا.
- دعم كبير لمبادئ الديمقراطية: يرى 70% أن الديمقراطية أفضل نظام للحكم رغم مشاكلها؛ فأقل من النصف (43%) أبدوا الدعم لنموذج القائد أو الرئيس الذي يلتف حول القواعد لينجز نتائج أفضل.
- الثقة في العملية السياسية: مستوى الثقة في مجلس الشعب المنتخب حديثًا بلغ 53%، في حين قال 40% إن العملية الانتخابية قد قُدمت بالوضوح الكافي للناخبين وأن عملية الترشّح أتاحت تساوي الفرص.
أرضية غير متساوية: الفجوات المناطقية تكشف عن تحديات للوحدة السورية
برغم ارتفاع معدلات التفاؤل على المستوى الوطني، يسود الارتياب والتشكك أكثر في المناطق الأكثر معاناة من العنف والمناطق التي بها تركّز أكبر للأقليات، ما يكشف عن عقبات عنيدة تعترض طريق التماسك الاجتماعي وعن عملية انتقال غير متساوية عبر مختلف المناطق بسوريا في مرحلة الانتقال لما بعد الأسد.
- في السويداء واللاذقية وطرطوس، الثقة في المؤسسات أقل بكثير من معدلاتها على المستوى الوطني: الثقة بالرئيس 36%، والحكومة 36%، والمحاكم 33%، والجيش 22%، وقوات الأمن 53%.
- نسب أقل في هذه المحافظات تعتبر أن الحريات الشخصية مضمونة: حرية التعبير 31%، الصحافة 34%، حرية التجمع 16%، وقال 35% فقط إن الحكومة تلبّي احتياجاتهم (مقابل 76% على المستوى الوطني).
- استمرار التحديات الاجتماعية في كافة أنحاء سوريا: يرى 78% أن انعدام التسامح مشكلة مجتمعية سائدة، وذكر 41% “تقبل الآخرين ونبذ الطائفية” كدرس أساسي مُستفاد من فترة 2011-2024.
- عقبات تعترض الوحدة: أحداث 2011-2024 (88%)، الاختلافات السياسية (73%)، اللامساواة الطبقية (65%)، أحداث ما بعد 2024 (64%)، الطائفية (59%).
العدالة الانتقالية: المحاسبة في مقابل المصالحة
يدعم السوريون تدابير العدالة الانتقالية الأشمل، ما يسلط الضوء على مسار هشّ نحو التعافي من جراح الماضي العميقة في ظل استمرار حلقات الانتقام.
- إعلاء أولوية الملاحقة القضائية: قال 49% إن محاسبة الجناة هو الهدف الأساسي للعدالة الانتقالية، في حين شدد 27% على كشف الحقيقة حول الجرائم المُرتكبة.
- توسيع الصلاحيات: يرغب 70% (و81% في أوساط الأقليات) في توسيع صلاحيات اللجنة الوطنية لتغطي جرائم كافة الأطراف المسلحة، وليس نظام الأسد فقط.
- الاحتياج المشترك للأمان والتمثيل: قال نحو نصف السوريين إن الأغلبية ومجموعات الأقليات على السواء تحتاج بنفس القدر للأمان (53%) والتمثيل السياسي (55%) واحترام تفضيلاتهم السياسية (51%) مع تعريف “الأغلبية” في هذا السياق بكونها تشمل المسلمين السنة، وتشمل الأقليات العلويين والأرمن والمسيحيين والدروز والأكراد والتركمان والأقليات الأخرى.
- استمرار الاختلاف حول الإقرار بالمظالم: في حين يرى عدد كبير من السوريين أنه من الضروري أن تقرّ الأغلبية ومجموعات الأقليات بما وقع من مظالم قبل 2024 (40%) وبعد 2024 (31%)، فهناك نسب كبيرة تعلي أولوية الإقرار بمظالم معينة: 38% من الأغلبية ترى ضرورة الإقرار بمظالم ما قبل 2024، و29% من الأقليات ترى ضرورة الإقرار بما وقع من مظالم بعد 2024، وهو الأمر الذي يسلط الضوء على الحاجة لأن تخدم منظومة العدالة الانتقالية كافة السوريين.
- استمرار رفض آليات العدالة خارج مؤسسات القضاء: يرى 9% فحسب من السوريين أن العدالة خارج نطاق المؤسسات الرسمية أكثر عدالة، وقال 19% إنها أسرع وأنجز.
سوريا تتطلع إلى الخارج: الانفتاح على المساعدات الأجنبية
السوريون منفتحون على المساعدات الغربية وقلقون من مساعدات حلفاء الأسد السابقين، ما يعكس توجّها براغماتيًا نحو العلاقات الدولية في سياق مرحلة إعادة الإعمار الوطنية، وإن كانت التحفظات إزاء إسرائيل ما زالت سائدة بشكل شبه كامل.
- أولويات المساعدات: يرغب السوريون في أن تركّز المساعدات الأجنبية على التنمية الاقتصادية (45%) وإعادة بناء البنية التحتية (36%).
- الشركاء المفضلون: السعودية (87%)، قطر (83%)، تركيا (73%)، الاتحاد الأوروبي (70%)، الولايات المتحدة الأمريكية (66%) هي الدول التي يفضلها السوريون كشركاء دوليين. على النقيض من المشهد في أغلب العالم العربي، لا يبدو أن تفضيل السوريين للدعم الأمريكي هو دعم مشروط بالعلاقات الأمريكية مع إسرائيل.
- سِجل دونالد ترامب: يعتبر 61% أن سياساته الخارجية جيدة، وقال النصف تقريبًا إن سياساته أفضل من سياسات سابقه، والمُرجح أن هذا بسبب الإعفاء من العقوبات.
- اعتبار إسرائيل مصدر تهديد بالغ: يرى 92% أن الاحتلال الإسرائيلي لأراضي فلسطينية وضربها لسوريا وإيران ولبنان تهديدات بليغة، ويدعم 14% فقط التطبيع. ولا تتمتع إسرائيل بالشعبية في تقدير الرأي العام السوري (نسبة التفضيل 4%).
- القوى الدولية غير المُفضلة: يرفض السوريون إيران التي كانت مصطفة مع الأسد (5%) وكذلك روسيا (16%) وإسرائيل (4%)، في حين نالت الصين دعمًا متوسطًا (37%) وهي نسبة أقل من نسب تفضيل أغلب شعوب المنطقة للصين.
نرجو نَسب أية معلومات تُنشر من المذكور أعلاه إلى الباروميتر العربي.
انتهى //
لإجراء حوارات صحفية
سلمى الشامي، مديرة قسم الأبحاث، ومايكل روبنز، مدير الباروميتر العربي ومحقق رئيسي مشارك، هما مؤلفا مقال “فورين أفيرز” ويمكن إجراء مقابلات معهما، ليقدما من خلالها سياق هذا الاستطلاع للرأي العام والبيانات التي شملها الاستطلاع، مع التعليق على تداعياته إزاء المسار السياسي والاقتصادي لسوريا.
للتنسيق يُمكن التواصل مع أسيل العلائلي مديرة العلامة التجارية والتسويق والاتصالات العالمية : aalayli@princeton.edu
يمكن قراءة المقال الكامل باللغة الانجليزية على موقع "فورين أفيرز"