نبض ليبيا تجاه مؤتمر دعم الاستقرار

مؤتمر دعم استقرار ليبيا، المزمع عقده في العاصمة الليبية طرابلس في 21 اكتوبر 2021 هو أول مؤتمر دولي حول ليبيا يقام داخل البلاد منذ اندلاع الحرب الأهلية صيف العام 2014. الباروميتر العربي أجرى ثلاث استطلاعات رأي ممثلة وطنيا بين أغسطس 2020 وأبريل 2021 في ليبيا كجزء من الدورة السادسة للمشروع. هذه الاستطلاعات توفّر فرصة لمعرفة آراء المواطنين الليبيين خلال هذا الوقت. الوصول إلى سلام مستدام أمر يتطلب دعما واسعا من عامة الشعب، ما يمنح نتائج هذه الاستطلاعات أهمية خاصة للمشاركين في المؤتمر الدولي هذا الأسبوع.

بحسب وزيرة الخارجية الليبية، نجلاء المنقوش، سيركز المؤتمر على مسارين أساسيين: الأول هو المسار الأمني العسكري، والثاني هو المسار الاقتصادي. يهدف المسار الأمني العسكري إلى توفير الدعم اللازم للجنة العسكرية المشتركة (5+5) لضمان استمرار وقف إطلاق النار وتوحيد المؤسسات العسكرية الليبية. تشكلت لجنة 5+5 في يناير 2020 أثناء مؤتمر برلين. بعد أشهر من المفاوضات، توصلت اللجنة إلى اتفاق وقف إطلاق النار. في 21 أغسطس 2020، أعلن رئيس حكومة الوفاق الوطني، فائز السراج، ورئيس مجلس النواب المتحالف مع القوات العربية الليبية المسلحة، عقيلة صالح، الهدنة. عقب ذلك، وقعت اللجنة المشتركة اتفاقية سلام دائمة بعد توسيع اتفاقية أغسطس لتشمل سحب جميع المرتزقة والقوات الأجنبية خلال 90 يوم.

رسخت الاتفاقية وقف العمليات العدائية بين حكومة الوفاق الوطني والقوات العربية الليبية المسلحة. بحسب استطلاعات الباروميتر العربي، أتت مشكلة عدم الاستقرار على رأس قائمة أهم التحديات التي تواجه ليبيا في أكتوبر 2020، إذ قال 30 بالمئة من الليبيين إنها التحدي الأهم. في ظل نجاح الهدنة، ولو نسبيا، بتوقف العمليات العسكرية، حلت مشكلة عدم الاستقرار في المرتبة الرابعة على قائمة التحديات في ربيع 2021 بنسبة لم تتجاوز 14 بالمئة من الليبيين.

إذا ما حالف الحظ الاتفاقية في وقف إطلاق النار، فإن الأمر كان مختلفًا فيما يتعلق بكبح جماح التدخل الأجنبي، خاصة سحب المرتزقة والقوات الأجنبية من الأراضي الليبية. بينما قال ربع الليبيين (26 بالمئة) إن التدخل الخارجي هو أهم تحدٍ تواجهه البلاد في أكتوبر 2020، لم تنخفض هذه النسبة كثيرًا في ربيع 2021 إذ رأى 17 بالمئة أن التدخل الخارجي لا يزال هو التحدي الأهم، في ظل استمرار تدخل بعض الدول في ليبيا بشكل مباشر أو غير مباشر.

خلال حرب 2019، قامت روسيا وتركيا بدعم حلفائهما المحليين من خلال إرسال المرتزقة. بعد سنة من اتفاقية السلام، لا يزال عدد كبير من هؤلاء المرتزقة داخل الأراضي الليبية. التدخل الروسي والتركي المباشر في الصراع الليبي انعكس بشكل واضح سلبيًا على رأي الشارع الليبي تجاه الدولتين. قرابة ربع الليبيين فقط عبروا عن رضاهم تجاه أي من البلدين (27 بالمئة تجاه تركيا و26 بالمئة تجاه روسيا).

القوى الاقليمية الأخرى التي لم تتدخل في الصراع الليبي بقدر تدخل تركيا وروسيا كانت أوفر حظًا. بين أغسطس وسبتمبر 2020، قال 58 بالمئة من الليبيين إنهم راضون جدًا أو راضون عن المملكة العربية السعودية، مقارنةً ب43 بالمئة تجاه فرنسا وقرابة الثلثين (67 بالمئة) تجاه ألمانيا في ربيع 2021.

كذلك، تحظى كل من الصين والولايات المتحدة بدعم واضح في ليبيا. بين مارس وأبريل 2021، عبّر نصف الليبيين عن رضاهم تجاه الولايات المتحدة، كما قال 60 بالمئة من الناس إنهم راضون جدًا أو راضون عن الصين. من خلال مشاركة كل هذه الدول في مؤتمر دعم استقرار ليبيا، تأمل الحكومة الليبية في الحصول على الدعم اللازم لإنجاز مهامها وتحقيق انتقال سياسي سلمي ناجح في البلاد.

أحد أهم أهداف حكومة الوحدة الوطنية يتمثل في إطلاق برنامج الإنعاش الاقتصادي. أسفر توقف العمليات الحربية والاتفاق السياسي الموقع بداية هذا العام عن استقرار معدلات إنتاج النفط وسعر صرف الدينار الليبي، الأمر الذي انعكس بشكل إيجابي على الوضع الاقتصادي العام في البلاد. خلال ربيع 2021، قال قرابة نصف الليبيين (45 بالمئة) إن الوضع الاقتصادي جيد جدًا أو جيد، مقارنة بأقل من ربع الليبيين (22 بالمئة) الذين قالوا الأمر ذاته عن الاقتصاد في أكتوبر 2020. بالإضافة، بدت هنالك حالة عامة من التفاؤل في توقعات الشارع الليبي للحالة الاقتصادية خلال الأعوام القليلة المقبلة، إذ قالت غالبية المواطنين (78 بالمئة) إن الوضع الاقتصادي سيكون أفضل خلال السنتين أو الثلاث سنوات القادمة.

يظل السؤال العالق حول الدول التي ستساهم في مشاريع الإنعاش الاقتصادي دون إجابة. بينما تتطلع عديد الدول للحصول على عقود مشاريع البنية التحتية لشركاتها، نجحت بعض القوى الاقليمية في ضمان نصيبها من خلال توقيع اتفاقيات مع الحكومة الليبية. في سبتمبر 2021، وقعت ليبيا ومصر 14 مذكرة تفاهم و6 اتفاقيات تنفيذية في عدة مجالات منها النفط والغاز، الطيران، الإعمار، والزراعة. قبل ذلك ببضعة أشهر، وقعت ليبيا ست مذكرات تفاهم مع تركيا في مجالات الكهرباء، الطيران، الإعلام، التجارة وغيرها.

طرح الباروميتر العربي سؤالا على الليبيين حول الدولة التي يفضلون أن تحصل على عقود مشاريع البنية التحتية. الدول المستفسر عنها شملت الولايات المتحدة، ألمانيا، إيطاليا، تركيا، والصين. ثلث الليبيين (33 بالمئة) قالوا إنهم يفضلون ألمانيا، بينما قال قرابة الربع (23 بالمئة) إنهم يفضلون الولايات المتحدة، و16 بالمئة قالوا إيطاليا. كانت الصين وتركيا أقل حظ بنسبتي 11 بالمئة و10 بالمئة، على التوالي.

مؤتمر دعم استقرار ليبيا هو فرصة سانحة للحكومة الليبية كي تنقل للقوى الاقليمية والدولية قناعات الشعب الليبي بأن التدخل الخارجي يطيل أمد الصراع ويشكل تحديًا كبيرًا للبلاد. الليبييون متعطشون لبدء عملية إعادة إعمار بلادهم وهم بحاجة إلى شركاء أهل ثقة للتعاون معهم في رحلة ليبيا نحو الانتعاش الاقتصادي والتنمية.