المواطنون قلقون إزاء تلوّث المياه في الدول العربية

في حين يبدو أن نزاعات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التي لا تنتهي هي أول ما يغطيه الإعلام الغربي بالمنطقة، فهناك عامل أقل بروزاً وإن كان بنفس درجة التأثير، لعب دوراً محورياً في إزكاء نيران التوترات القائمة، وبث الاضطراب والمساس باستقرار الحياة اليومية. إنه الماء، أو على وجه الدقة، مصادر الماء العذب والنظيف، العامل الذي يشكل النزاعات ومساراتها في شتى أنحاء المنطقة. فمن الحصار بقيادة السعودية لليمن الذي حد كثيراً من توفر المياه النظيفة، إلى الخلافات المريرة بين مصر والسودان وإثيوبيا حول سد توليد الكهرباء بخطته الطموحة، يعد الماء سبباً للنزاعات وعامل من العوامل التي تفاقم من دتها. في الواقع، كما أوضح كينغ وبورنيل في تقريرهما حول استخدام الماء كسلاح، فإن كلمة “عداوة” أو “خصومة” (rivalry) تنبع من الكلمة اللاتينية rivalus وهي تعني “من يستخدمون نفس الجدول كمصدر للمياه” 

إن التوترات التي تهيئ لها محدودية الموارد الطبيعية أو تفاقم منها، لا هي بالمسألة الجديدة أو المقتصرة حصراً على الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. لكن المنطقة الآن تعد في وضع هش بصورة استثنائية، إذ أنها تعد أكثر مناطق العالم عرضة لندرة المياه، وتحف بها أيضاً أزمات إنسانية ونزاعات مسلحة عديدة. رغم عدم وجود إجماع حول إلى أي مدى يفاقم التوتر المائي من أو يؤدي إلى النزاعات، فالواضح كل الوضوح أن انعدام الأمان المائي يسهم بوضوح في انعدام الاستقرار. إضافة إلى العوامل المحلية التاريخية المعروفة، فإن المنطقة ليست حصينة من التحديات العالمية الخاصة بارتفاع درجات الحرارة وكوارث الجفاف، التي تفاقم أكثر من ندرة المياه بالمنطقة.

الأدلة التي نراها بهذا الصدد في الباروميتر العربي مدهشة للغاية. فالنتائج تشير إلى أن قضايا المياه في رأي الجمهور العربي ليست مجرد قضية نظرية. فالدورة الخامسة من استطلاع الباروميتر العربي اشتملت على طرح أسئلة حول أربعة جوانب بيئية: التغير المناخي وجودة الهواء وتلوث المياه والقمامة. بدرجة كبيرة للغاية، أعرب المواطنون في الـ 11 دولة المشمولة بالاستطلاع عن بالغ قلقهم إزاء تلوث المياه. في العراق ومصر، ذكر جميع المبحوثين تقريباً تلوث المياه بصفته مشكلة خطيرة أو خطيرة للغاية (97 بالمئة و96 بالمئة)، وقال نحو 9 من كل 10 أفراد الأمر نفسه في ليبيا (93 بالمئة)، وتونس (93 بالمئة) والسودان (91 بالمئة) واليمن (90 بالمئة) ولبنان (90 بالمئة) والجزائر (89 بالمئة). تبين أن نسبة القلق أقل نوعاً ما في فلسطين (88 بالمئة) والأردن (86 بالمئة) والمغرب (83 بالمئة). حتى في لبنان وتونس وفلسطين وليبيا، وهي دول تواجه أزمات كبيرة في إدارة القمامة، فإن القلق إزاء تلوث المياه جاء في المركز الثاني وراء القلق حول عدم كفاية نظم إدارة القمامة.

كما أن نسب القلق العالية هذه في أوساط الجمهور العربي تشير إلى أن تلوث المياه قضية مقلقة للعموم. فأكثر من نصف المبحوثين في الدول الـ 11 المشمولة بالاستطلاع ذكروا المياه ليس كقضية مثيرة للقلق، إنما بصفتها قضية مقلقة للغاية. يُلاحظ أن المواطنين في كل الدول المشمولة بالاستطلاع قد أعربوا عن قلقهم من تلوث المياه بمعدلات أعلى من قلقهم إزاء التغير المناخي وجودة الهواء. هذه الفجوة في القلق إزاء قضايا مهمة وخطيرة ومتصلة ببعضها البعض، تسلط الضوء على قوة الرغبة في توفر مياه نظيفة وسوء فهم الجمهور للاعتماد المتبادل بين مختلف القضايا البيئية.


دانيلا راز طالبة دراسات عليا في جامعة ميشيغان تدرس في كلية الإعلام.